الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) يضمن ( ما هلك بعمله كتخريق الثوب من دقه وزلق الحمال وغرق السفينة ) من مده جاوز المعتاد أم لا بخلاف الحجام [ ص: 67 ] ونحوه كما يأتي عمادية .

والفرق في الدرر وغيره على خلاف ما بحثه صدر الشريعة فتأمل ، لكن قوى القهستاني قول صدر الشريعة فتنبه .

وفي المنية هذا إذا لم يكن رب المتاع أو وكيله في السفينة فإن كان لا يضمن إذا لم يتجاوز المعتاد ; لأن محل العمل غير مسلم إليه . وفيها حمل رب المتاع متاعه على الدابة وركبها فساقها المكاري [ ص: 68 ] فعثرت وفسد المتاع لا يضمن إجماعا وقدمنا .

قلت عن الأشباه معزيا للزيلعي : إن الوديعة بأجر مضمونة فليحفظ ( ولا يضمن به بني آدم مطلقا ممن غرق في السفينة أو سقط عن الدابة وإن كان بسوقه أو وقوده ) ; لأن الآدمي لا يضمن بالعقد بل بالجناية ولا جناية لإذنه فيه ( وإن انكسر دن في الطريق ) إن شاء المالك ( ضمن الحمال قيمته في مكان حمله ولا أجر أو في موضع الكسر وأجره بحسابه ) وهذا لو انكسر بصنعه وإلا بأن زاحمه الناس فانكسر فلا ضمان خلافا لهما .

التالي السابق


( قوله ويضمن ما هلك بعمله ) أي من غير قصد في قول علمائنا الثلاثة ، ولا يستحق الأجرة ; لأنه ما أوفى بالمنفعة بل بالمضرة . بدائع ، وعمل أجيره مضاف إليه فيضمنه وإن لم يضمن الأجير ; لأنه أجير وحد له ما لم يتعد كما سيذكره آخر الباب . ( قوله من دقه ) أي بنفسه أو بأجيره ، فلو استعان برب الثوب فتخرق ولم يعلم أنه من أي دق فعلى قول الإمام ينبغي عدم الضمان للشك ، وعن الثاني يضمن نصف النقصان كما لو تمسك به لاستيفاء الأجر فجذبه صاحبه فتخرق حموي عن الظهيرية ملخصا .

قال في التبيين : ثم صاحب الثوب إن شاء ضمنه غير معمول ولم يعطه الأجر ، وإن شاء ضمنه معمولا وأعطاه الأجر ط ملخصا ( قوله وزلق الحمال ) الظاهر أنه بالحاء المهملة والمراد الحمال على ظهره مثلا ، أما بالجيم فعلى تقدير مضاف أي جمل الجمال . قال في شرحه على الملتقى : أي إذا لم يكن من زحمة الناس ، فلو منها لم يضمن خلافا لهما كما في شرح المجمع . قال : وكذا يضمن لو ساق المكاري دابته فعثرت فسقطت الحمولة ا هـ وكذا يضمن بانقطاع الحبل الذي يشد به المكاري كما في الكنز والملتقى ، ولو كان الحبل لصاحب المتاع فانقطع لا يضمن كذا في التتارخانية : وفي البدائع : وكذا يضمن الراع المشترك إذا ساق الدواب على السرعة فازدحمت على القنطرة أو الشط فدفع بعضها بعضا فسقطت في الماء أو عطبت الدابة بسوقه أو ضربه ولو معتادا . ( قوله وغرق السفينة من مده ) قيد بالمد ; لأنها لو غرقت من ريح أو موج أو شيء وقع عليها أو صدم جبل فهلك ما فيها لا يضمن في قول الإمام - رحمه الله - .

قلت : ويجب على المستأجر أجر ما سارت السفينة قبل الغرق بحاسبه وفروع المذهب تشهد لذلك ا هـ [ ص: 67 ] سري الدين عن المجتبى وهذا إنما يظهر إذا كان المستأجر معه وإلا فلم يوجد تسليم وقد سبق أنه لا أجر للمشترك إلا به فتأمل ط . ( قوله ونحوه ) كالبزاغ والفصاد . ( قوله والفرق في الدرر وغيرها ) حاصله أن بقوة الثوب ورقته يعلم ما يتحمله من الدق بالاجتهاد فأمكن تقييده بالسلامة منه ، بخلاف القصد ونحوه فإنه ينبني على قوة الطبع وضعفه ولا يعرف ذلك بنفسه ولا ما يتحمل من الجرح فلا يمكن تقييده بالسلامة فسقط اعتباره ا هـ ح . ( قوله على خلاف ما بحثه صدر الشريعة ) حيث قال ينبغي أن يكون المراد بقوله ما تلف بعمله عملا جاوز فيه القدر المعتاد على ما يأتي في الحجام ا هـ ح ( قوله لكن قوى القهستاني ) حيث قال بل يضمن بعمله ما هلك من حيوان وغيره عملا غير مأذون فيه كالدق المخرق للثوب كما في المحيط وغيره فهو غير معتاد بالضرورة ولذا فسر المصنف أي صدر الشريعة العمل به ، فمن الباطل ما ظن أنه بطل تفسير المصنف بما في الكافي أن قوة الثوب ورقته مثلا تعرف بالاجتهاد فأمكن التقييد بالمصلح ا هـ ح .

أقول : ومقتضى كلامه أن كل عمل متلف يكون غير معتاد فلا يصح تقييد صدر الشريعة ما تلف بعمله بقوله عملا غير معتاد ويبقى مخالفا لما في الكافي المفيد أن العمل المتلف قد يكون معتادا . هذا والذي يظهر لي أنه لا منافاة بين كلامهم وأن الكل يقولون : إن المتلف للثوب غير معتاد ولكن لما كان نحو الحجام ضمانه مقيدا بغير المعتاد دون المعتاد أرادوا التنبيه على أن نحو القصار غير مقيد بهذا القيد ليفيدوا الفرق بينهما ، ولكن الخروج عن المعتاد في نحو الثوب لا يظهر لنا إلا بالإتلاف ، فحيث كان متلفا علم أنه غير معتاد فيضمن لتقصيره فإن الماهر في صنعته يدرك المتلف ، بخلاف نحو الحجام فإن لعمله محلا مخصوصا فإذا لم يتجاوزه لا يضمن فإنه لا يمكن إدراكه بمهارته فأنيط الضمان على مجاوزته المحل المخصوص ، فظهر بهذا أن كل متلف في عمل نحو القصار خارج عن المعتاد . يدل عليه ما في البدائع ، وهو أنه يمكنه التحرز بالاجتهاد بالنظر في آلة الدق ومحله وإرسال المدقة على المحل على قدر ما يحتمله مع الحذاقة في العمل ، وعند مراعاة هذه الشرائط لا يحصل الفساد فلما حصل دل على أنه مقصر وهو في حقوق العباد ليس بعذر ا هـ . فعلم أنه لا فرق بين الكلامين وإن كان في التعبير مسامحة فافهم ( قوله فتنبه ) لعله يشير إلى ما قلنا ، والله أعلم . ( قوله هذا إذا لم يكن إلخ ) الإشارة إلى الضمان المذكور في المتن ضمنا .

مطلب ضمان الأجير المشترك مقيد بثلاثة شرائط

وحاصل ما في الطوري عن المحيط أن ضمان المشترك ما تلف مقيد بثلاثة شرائط : أن يكون في قدرته رفع ذلك فلو غرقت بموج أو ريح أو صدمة جبل لا يضمن وأن يكون محل العمل مسلما إليه بالتخلية ، فلو رب المتاع أو وكيله في السفينة لا يضمن ، وأن يكون المضمون مما يجوز أن يضمن بالعقد فلا يضمن الآدمي كما يأتي ( قوله إذا لم يتجاوز المعتاد ) ولم يتعمد الفساد شرنبلالية عن الخانية وكان بأمر يمكن التحرز عنه أفاده المكي ط



( قوله وركبها إلخ ) وكذا إذا كان هو والمكاري راكبين على الدابة أو سائقين وقائدين ; لأن المتاع في أيديهما فلم ينفرد الأجير باليد . وروى بشر عن أبي يوسف : إذا سرق من رأس الحمال ورب المتاع يمشي معه لا ضمان ; لأنه لم يخل بينه وبين [ ص: 68 ] المتاع ، وقالوا : إذا كان المتاع في سفينتين وصاحبه في إحداهما وهما مقرونتان أو لا إلا أن سيرهما وحبسهما جميعا لا يضمن الملاح ، وكذا القطار إذا كان عليه حمولة وربها على بعير أن المتاع في يد صاحبه ; لأنه الحافظ له بدائع ، وفيه كلام يأتي قريبا . ( قوله وقدمنا ) أي في كتاب الوديعة أراد به التنبيه على أن المودع بأجر يخالف الأجير المشترك وإن شرط عليه الضمان ، وكان الأولى ذكره عند قول المصنف ولا يضمن إلخ كما فعل الزيلعي . وذكر الفرق بأن المعقود عليه في الأجير المشترك هو العمل والحفظ واجب تبعا بخلاف المودع بأجر فإنه واجب عليه مقصود ببدل .

أقول : وذكر المصنف في الوديعة أن اشتراط الضمان على الأمين باطل به يفتى ا هـ . وفي البزازية : دفع إلى صاحب الحمام واستأجره وشرط عليه الضمان إذا تلف لا أثر له فيما عليه الفتوى ; لأن الحمامي عند اشتراط الأجر للحفظ والثيابي كالأجير المشترك ا هـ . ( قوله مطلقا ) أي صغيرا أو كبيرا على الصحيح كما في التبيين ، وقيل عدم الضمان إذا كان كبيرا يستمسك على الدابة ويركب وحده وإلا فهو كالمتاع ط عن المكي ( قوله بل بالجناية ) ولهذا يجب على العاقلة وضمان العقود لا تتحمله العاقلة ابن كمال ( قوله لإذنه فيه ) أي من المستأجر أصيلا أو وليا لعبد أو صغير . ( قوله وإن انكسر دن إلخ ) في البزازية عن المنتقى : حمل متاعا وصاحبه معه فعثر وسقط المتاع ضمن ; لأن عثاره جناية يده : استأجر حمولة بعينها ورب المتاع معه فساق المكاري فعثرت الدابة ضمن عندنا ; لأنه أجير مشترك أفسده بيده ا هـ ولينظر الفرق بينه وبين ما قدمناه عن البدائع ولعله اختلاف رواية أو محمول على ما إذا ساقها بعنف تأمل : ثم رأيت صاحب الذخيرة فرق بين ما إذا كان صاحب المتاع راكبا عليها فعثرت من سوق الأجير لا يضمن وبين ما إذا كان يسير خلفها مع الأجير فيضمن وتمامه فيها ( قوله في الطريق ) قيد به لما في البدائع ، وإن حمله إلى بيت صاحبه ثم أنزله الحمال من رأسه وصاحب الزق فوقع من أيديهما ضمن ، وهو قول محمد الأول ثم رجع وقال لا يضمن . ( قوله بصنعه ) يشمل ما لو زلقت رجله في الطريق أو غيره فسقط وفسد حمله بدائع . ( قوله فلا ضمان ) ; لأن المتاع أمانة عنده .

( قوله خلافا لهما ) فيضمن قيمته في موضع الكسر بلا خيار كما في التبيين . وفي البدائع : ولو زحمه الناس حتى فسد لم يضمن بالإجماع ; لأنه لا يمكنه حفظ نفسه عن ذلك فكان بمعنى الحرق الغالب ولو كان الحمال هو الذي زاحم الناس ضمن عند علمائنا الثلاثة ا هـ فتأمل




الخدمات العلمية