الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( غصب ) رجل ( صبيا حرا ) لا يعبر عن نفسه والمراد بغصبه الذهاب به بلا إذن وليه ( فمات ) هذا الحر ( في يده فجاءة أو بحمى لم يضمن وإن مات بصاعقة أو نهش حية فديته على عاقله الغاصب ) استحسانا لتسببه بنقله لمكان الصواعق أو الحيات حتى لو نقله لمواضع يغلب فيه الحمى والأمراض ضمن فتجب فيه الدية على العاقلة لكونه قتلا تسببا هداية وغيرها .

قلت : بقي لو نقل الحر الكبير لهذه الأماكن تعديا إن مقيدا ولم يمكنه التحرز عنه ضمن وإن لم يمنعه من [ ص: 624 ] حفظ نفسه لا لأنه بتقصيره . فحكم صغير ككبير مقيد عناية

التالي السابق


( قوله لا يعبر عن نفسه ) لأنه لو كان يعبر يعارضه بلسانه ، فلا تثبت يده حكما كذا في الشرنبلالي عن البرهان ; ومثله في الكفاية والقهستاني وغيرهما قال في المعراج : لكن الفرق الآتي بين المكاتب والصبي ، يشير إلى أن المراد مطلق الصبي ، فإن الصبي الذي يزوجه وليه غير مقيد بذلك ذكره في الكافي ا هـ ملخصا ( قوله والمراد بغصبه إلخ ) فيكون ذكر الغصب بطريق المشاكلة وهو أن يذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته عناية ( قوله فجأة ) بالضم والمد أو بالفتح ، وسكون الجيم بلا مد قهستاني ( قوله بصاعقة ) أي نار تسقط من السماء أو كل عذاب مهلك كما في القاموس ، فيشمل الحر الشديد والبرد الشديد والغرق في الماء ، والتردي من مكان عال كما في الجناية وغيرها قهستاني ( قوله لم يضمن ) لأن ذلك لا يختلف باختلاف الأماكن هداية ( قوله استحسانا ) والقياس عدم الضمان مطلقا ، لأن غصب الحر لا يتحقق ، ألا ترى أنه لو كان مكاتبا صغيرا لا يضمن مع أنه حر يدا فهذا أولى .

والجواب ما أشار إليه : وهو أن الضمان لا بالغصب بل بالإتلاف تسببا ، وقد أزال حفظ الولي ، فيضاف الإتلاف إليه أما المكاتب ، فهو في يد لنفسه ولو صغيرا ولذا لا يزوجه أحد ، فهو كالحر الكبير أما الصبي فإنه في يد وليه ولذا يزوجه ا هـ من الهداية والكفاية ( قوله لموضع يغلب فيه الحمى والأمراض ) أي بأن كان المكان مخصوصا بذلك فيضمن لا بسبب العدوى لأن القول به باطل بل ، لأن الهواء بخلق الله تعالى مؤثر في بني آدم وغيره كالغذاء بزازية ( قوله لهذه الأماكن ) أي الغالب فيها الهلاك واللام بمعنى إلى ( قوله ضمن ) لأن المغصوب عجز [ ص: 624 ] عن حفظ نفسه بما صنع فيه عناية وكذا يضمن لو صنع بالمكاتب كذلك كما ذكره الزيلعي ( قوله فحكم صغير ككبير مقيد ) الأولى في التعبير أن يقال ; فحكم كبير مقيد كصغير ، لأن مسألة الصغير منصوصة في المتون ، ومسألة الكبير ذكرها الشراح عن الإمام المحبوبي

وفي حاشية أبي السعود : استشكل هذا العلامة المقدسي بقولهم لو كتف شخصا ، وقيده وألقاه فأكله السبع لا قصاص ولا دية ، ولكن يعزر ويحبس حتى يموت ، وعن الإمام إن عليه الدية ، ولو قمط صبيا وألقاه في الشمس أو البرد حتى مات فعلى عاقلته الدية كذا في الحافظية فليتأمل . ولعل القول بالضمان في الحر الكبير المقيد محمول على تلك الرواية ا هـ ومثله في حاشية الرملي وأصل الاستشكال لصاحب المعراج حيث قال : ويشكل على هذا ما لو حبس إنسانا فمات منه من الجوع ، لا يضمن مع أنه عجز عن حفظ نفسه بما صنع حابسه ا هـ

أقول : قد علمت أن مسألة الصبي على استحسان ، وألحقوا به الكبير فهو استحسان أيضا وما أورد عليه مفرع على القياس ، والاستحسان راجح عليه ، وتلك الرواية موافقة للاستحسان ، فقد يدعي ترجيحها بذلك ، وأما لو حبسه فمات جوعا فعدم ضمانه قول الإمام ; وقدمنا أول الجنايات أن عليه الفتوى ، وأن الفرق هو أن الجوع والعطش من لوازم الإنسان ، فلا يضاف للجاني بخلاف هذه الأفعال ، فلا تشكل على مسألتنا ، وأنت على علم بأن العمل على ما في المتون والشروح فاغتنم هذا التحرير




الخدمات العلمية