الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو أوصى إلى آخر ببيعه لم يصح ) إلا إذا كان مشروطا له ذلك في الوكالة ( ولا يملك راهن ولا مرتهن بيعه بغير رضا الآخر ) ، ( فإن حل الأجل وغاب الراهن أجبر الوكيل على بيعه كما هو ) الحكم ( في الوكيل بالخصومة ) إذا غاب موكله وأباها فإنه يجبر عليها بأن يحبسه أياما ليبيع ، فإن لح بعد ذلك باع القاضي دفعا للضرر ( وإن باعه العدل فالثمن رهن ) كالثمن ( فيهلك كهلكه ، فإن أوفى ثمنه ) بعد بيعه ( المرتهن فاستحق الرهن ) وضمن ( فإن ) [ ص: 506 ] كان المبيع ( هالكا في يد المشتري ضمن المستحق الراهن قيمته ) إن شاء لأنه غاصب ( و ) حينئذ ( صح البيع والقبض ) لتملكه بضمانه ( أو ) ضمن المستحق ( العدل ) لتعديه بالبيع ( ثم هو ) أي العدل ( يضمن الراهن وصحا ) أيضا ( أو ) ضمن ( المرتهن ثمنه الذي ) أداه إليه ( وهو ) أي الثمن ( له ) أي العدل لأنه بدل ملكه ( ويرجع المرتهن على راهنه بدينه ) ضرورة بطلان قبضه ( وإن ) كان الرهن ( قائما ) في يد مشتريه ( أخذه المستحق من مشتريه ورجع هو ) أي المشتري ( على العدل بثمنه ) [ ص: 507 ] لأنه العاقد ( ثم ) يرجع ( هو ) أي العدل ( على الراهن به ) أي بثمنه ( و ) إذا رجع عليه ( صح القبض ) وسلم الثمن للمرتهن ( أو ) رجع العدل ( على المرتهن بثمنه ثم ) رجع ( هو ) أي المرتهن ( على الراهن به ) أي بدينه .

زاد هنا في الدرر والوقاية : وإن شرطت الوكالة بعد الرهن رجع العدل عن الراهن فقط سواء قبض المرتهن ثمنه أو لا ( فإن هلك الرهن عند المرتهن فاستحق ) الرهن ( وضمن الراهن قيمته هلك ) الرهن ( بدينه ، وإن ضمن المرتهن ) القيمة ( يرجع على الراهن بقيمته ) التي ضمنها لضرره ( وبدينه ) لانتقاض قبضه .

التالي السابق


( قوله إلا إذا كان مشروطا له ) بأن قال له في أصل الوكالة وكلتك ببيعه وأجزت لك ما صنعت به من شيء فحينئذ لوصيه بيعه ، ولا يجوز لوصيه أن يوصي به إلى ثالث إتقاني .

[ فرع ] وكل العدل وكيلا فباعه ، إن بحضرة العدل جاز وإلا فلا إلا أن يجيزه ولو باع العدل بعض الرهن بطل في الباقي هندية .

أي فسد للشيوع الطارئ ( قوله ولا يملك إلخ ) أي بعد موت العدل كما رأيته بخط بعض العلماء وهو مقتضى السياق لكنه ليس للاحتراز ( قوله فإن حل الأجل إلخ ) تقدمت هذه المسألة قريبا ( قوله وغاب الراهن ) أي أو وارثه بعد موته وأبى الوكيل أن يبيعه أجبر بالاتفاق ، وفيه رمز إلى أنه لو حضر الراهن لم يجبر الوكيل بل أجبر الراهن ، فإن أبى باعه القاضي عندهما ولم يبع عنده قهستاني : قال الرملي : وهذا فرع الحجر على الحر ، وتقدم في الحجر أن قولهما به يفتى ا هـ .

قلت وفي البزازية : وقيل هذا قول الكل لتقدم الرضا منه على البيع وهو الصحيح ( قوله أجبر ) لتعلق حق المرتهن به ( قوله كما هو الحكم في الوكيل بالخصومة ) يعني بطلب المدعي .

قال الأتقاني : المدعي إذا طالب خصمه عند القاضي بوكيل فنصب له وكيلا لم يجز للموكل عزله ، لأن حق الخصم تعلق بهذه الوكالة حين ثبتت بمطالبته ، ولو كان وكله ابتداء من غير مطالبة جاز عزله ( قوله بأن يحبسه ) تصوير لقوله أجبر الوكيل .

وفي بعض النسخ وكيفية الإجبار بأن يحبسه ( قوله فإن لج ) بالجيم .

قال في المصباح لج في الأمر لججا من باب تعب ولجاجا ولجاجة فهو لجوج ولجوجة مبالغة إذا لازم الشيء وواظبه ومن باب ضرب . ا هـ ط ( قوله وإن باعه العدل ) أي المسلط على بيعه في عقد الرهن أو بعده بزازية ( قوله فالثمن رهن ) أي وإن لم يقبضه لقيامه مقام ما كان مقبوضا هداية ، [ ص: 506 ] فلو هلك في يد العدل سقط الدين ، كما إذا هلك عند المرتهن ، وكذا إذا هلك الثمن بالتوى على المشتري فالتوى على المرتهن ويسقط الدين ، ولا يعتبر فيه قيمة الرهن وإنما يعتبر الثمن بزازية ، ولا يقال كيف يكون مضمونا ولم يقبضه لأنه ثبت في ذمة المشتري بحق المرتهن فكأنه في يد المرتهن أو في يد البائع إتقاني .

وإذا أقر العدل أنه قبض الثمن وسلمه إلى المرتهن وأنكر المرتهن فالقول للعدل لأنه أمين وبطل دين المرتهن ولوالجية وجوهرة ( قوله وضمن ) بالبناء للمجهول لا للفاعل كما ظن ونائب الفاعل ضمير الرهن أي طلب ضمانه والطالب هو المستحق وإنما أتى بهذا الفعل ليكون ما بعده تفصيلا لمذكور ، فلله دره وما أخفى دقائقه فافهم . ( قوله ضمن المستحق الراهن ) أي ضمنه قيمة الرهن فالمفعول الثاني محذوف ، وكذا يقال فيما بعده ( قوله لأنه غاصب ) حيث أخذ العين وسلمها بغير إذن مالكها ط ( قوله والقبض ) أي قبض المرتهن الثمن ا هـ ح ( قوله لتملكه بضمانه ) أي لأن الراهن ملكه بأداء الضمان فتبين أنه أمره ببيع ملك نفسه هداية ( قوله لتعديه بالبيع ) يعني مع التسليم وكان ينبغي ذكره كما في الهداية ( قوله يضمن الراهن ) أي القيمة لأنه وكيل من جهته عامل له فيرجع عليه بما لحقه من العهدة هداية ( قوله وصحا أيضا ) أي البيع والقبض إن نفذ البيع ، لأن الراهن لما كان قرار الضمان عليه وضمنه ملكه كما مر وصح قبض المرتهن الثمن فلا يرجع بشيء من دينه على الراهن كما في العناية وغيرها ، وقول المنح كالدرر على العدل سبق قلم ( قوله أو ضمن ) الأولى يضمن لأنه معطوف على يضمن الذي قبله والفاعل فيهما ضمير العدل ( قوله الذي أداه إليه ) أي إلى المرتهن لأنه تبين بالاستحقاق أنه أخذ الثمن بغير حق ، لأن العدل ملكه بالضمان درر ( قوله لأنه بدل ملكه ) فإنه لما أدى ضمانه استقر ملكه فيه ولم يضمن العدل الراهن حتى ينتقل إلى الراهن .

بقي هنا شيء ، وهو أن المستحق إذا ضمن العدل القيمة فقد تكون القيمة أكثر من الثمن الذي أخذه العدل من المرتهن فمن يضمن تلك الزيادة ؟ ورأيت الشرنبلالي ذكر بحثا أنه ينبغي أن يرجع بالزيادة على الراهن ا هـ .

وذكر الشرنبلالي بحثا آخر ، وهو أن المصنف لم يذكر رجوع المشتري في هذا الشق .

بل سيذكره فيما لو كان الرهن قائما فينبغي أنه إن سلم الثمن إلى المرتهن أن يرجع به عليه أو إلى العدل يرجع به عليه ثم العدل يرجع على المرتهن ، ثم المرتهن يرجع بدينه على الراهن إلخ ما ذكره .

وأقول لم يظهر لي وجه صحته لأن المشتري لم يغرم شيئا فكيف يرجع بثمن ما هلك في يده ، نعم لو ذكروا أن المستحق يرجع بالقيمة على المشتري لأنه غاصب أيضا بالقبض وقد هلك المغصوب في يده ينبغي أن يقال يرجع المشتري بالثمن الذي أداه إلى العدل أو المرتهن ويرجع المرتهن به على العدل والعدل على الراهن ، ولينظر ما وجه عدم ذكرهم ذلك بل اقتصروا على رجوع المستحق على الراهن أو العدل مع أنه ينبغي ذكره أيضا .

ثم رأيت في الحواشي السعدية قال ما نصه ، والظاهر أن يكون للمستحق خيار تضمين المشتري أيضا لأنه متعد بالأخذ والتسليم لكن لم يذكر ا هـ ( قوله ورجع هو على العدل بثمنه ) يعني فيما إذا سلم المشتري الثمن بنفسه [ ص: 507 ] إلى العدل ، ولو أنه سلمه إلى المرتهن لم يرجع على العدل به لأن العدل في البيع عامل للراهن وإنما يرجع عليه إذا قبض ولم يقبض منه شيئا فبقي ضمان الثمن على المرتهن والدين على الراهن شرنبلالي عن الزيلعي ( قوله لأنه العاقد ) فتتعلق به حقوق العقد درر ( قوله ثم هو على الراهن ) لأنه هو الذي أدخله في العهدة فيجب عليه تخليصه هداية ( قوله به ) أي بثمنه .

وقع في الهداية وتبعه الزيلعي التعبير بالقيمة ، وذكر الشارحون أن المراد بها الثمن ( قوله صح القبض ) أي قبض المرتهن الثمن ( قوله وسلم الثمن للمرتهن ) ذكره في الهداية تعليلا وهو الأحسن ( قوله أو رجع العدل على المرتهن بثمنه ) لأنه إذا انتقض العقد بطل الثمن وقد قبضه ثمنا فيجب نقض قبضه ضرورة هداية ( قوله ثم رجع إلخ ) لأنه لما انتقض قبضه عاد حقه في الدين كما كان ( قوله أي بدينه ) كان على المصنف التصريح به لئلا يعود الضمير على غير مذكور في كلامه مع الإيهام أفاده ط ( قوله وإن شرطت الوكالة إلخ ) يعني أن التفصيل المار إنما هو فيما إذا شرطت في العقد لأنه تعلق بها حق المرتهن بخلاف المشروطة بعده لأنه لم يتعلق بها حقه فلا يرجع العدل عليه قال الزيلعي : وهذا يؤيد قول من لا يرى جبر هذا الوكيل على البيع وقال السرخسي هو ظاهر الرواية ، إلا أن فخر الإسلام وشيخ الإسلام قالا الأصح جبره لإطلاق محمد في الجامع والأصل فتكون الوكالة غير المشروطة في العقد كالمشروطة فيه في حق جميع ما ذكرنا من الأحكام هناك ا هـ ملخصا ( قوله فقط ) أي ليس له الرجوع على المرتهن ( قوله أو لا ) بأن ضاع الثمن في يد العدل " بلا " تعديه درر ( قوله وضمن الراهن ) بالرفع على أن الفعل من الثلاثي المجرد ، أو بالنصب على أنه من المزيد والفاعل ضمير المستحق المعلوم من المقام وكذا ما بعده .

والحاصل أن له تضمين الراهن لتعديه بالتسليم أو المرتهن لتعديه بالقبض ( قوله هلك الرهن بدينه ) أي بمقابلته .

قال الزيلعي : وإن ضمن الراهن صار المرتهن مستوفيا لدينه بهلاك الرهن ، لأن الراهن ملكه بأداء الضمان مستندا إلى ما قبل التسليم ، فتبين أنه رهن ملك ثم صار المرتهن مستوفيا بهلاكه ( قوله لضرره ) الأولى لغرره بالغين المعجمة قال في الدرر : أما القيمة فلأنه مغرور من جهة الراهن بالتسليم ا هـ ونحوه في الزيلعي وغيره ط ( قوله لانتقاض قبضه ) أي قبض المرتهن الرهن بتضمينه فيعود حقه كما كان ، لأن الرهن لم يكن ملك الراهن حتى يكون بهلاكه مستوفيا عناية : وهنا إشكال وجواب مذكوران في الهداية والتبيين




الخدمات العلمية