الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا اجتمع الوصايا قدم الفرض وإن أخره الموصي وإن تساوت ) قوة ( قدم ما قدم إذا ضاق الثلث عنها ) - [ ص: 662 ] قال الزيلعي : كفارة قتل وظهار ويمين مقدمة على الفطرة لوجوبها بالكتاب دون الفطرة والفطرة على الأضحية لوجوبها إجماعا دون الأضحية وفي القهستاني عن الظهيرية عن الإمام الطواويسي يبدأ بكفارة قتل ثم يمين ثم ظهار ثم إفطار ثم النذر ثم الفطرة ، ثم الأضحية ، وقدم العشر على الخراج ، وفي البرجندي مذهب أبي حنيفة آخر أن حج النفل أفضل من الصدقة

التالي السابق


( قوله وإذا اجتمع الوصايا إلخ ) اعلم أن الوصايا إما أن تكون كلها لله تعالى أو للعباد ، أو يجمع بينهما ، وأن اعتبار التقديم مختص بحقوقه تعالى لكون صاحب الحق واحدا ، وأما إذا تعدد فلا يعتبر فما للعباد خاصة لا يعتبر فيها التقديم كما لو أوصى بثلثه لإنسان ، ثم به لآخر إلا أن ينص على التقديم ، أو يكون البعض عتقا أو محاباة على ما سيأتي ، وما لله تعالى فإن كان كله فرائض كالزكاة والحج أو واجبات كالكفارات والنذور وصدقة الفطر أو تطوعا كالحج التطوع والصدقة للفقراء يبدأ بما بدأ به الميت ، وإن اختلطت يبدأ بالفرائض قدمها الموصي ، أو أخرها ثم بالواجبات وما جمع فيه بين حقه تعالى وحق العباد ، فإنه يقسم الثلث على جميعها ، ويجعل كل جهة من جهات القرب مفردة بالضرب ولا تجعل كلها جهة واحدة لأنه ، وإن كان المقصود بجميعها وجه الله تعالى ، فكل واحدة منها في نفسها مقصودة فتنفرد كوصايا الآدميين ، ثم تجمع فيقدم فيها الأهم فالأهم ، فلو قال ثلث مالي في الحج والزكاة ولزيد والكفارات قسم على أربعة أسهم ، ولا يقدم الفرض على حق الآدمي لحاجته ، وإن كان الآدمي غير معين بأن أوصى بالصدقة على الفقراء فلا يقسم ، بل يقدم الأقوى فالأقوى لأن الكل يبقى حقا لله تعالى إذا لم يكن ثم مستحق معين هذا إذا لم يكن في الوصية عتق منفذ في المرض أو معلق بالموت كالتدبير ولا محاباة منجزة في المرض ، فإن كان بدئ بهما على ما سيأتي تفصيله في باب العتق في المرض ، ثم يصرف الباقي إلى سائر الوصايا ا هـ ملخصا من العناية والنهاية والتبين .

( قوله قدم الفرض ) كالحج والزكاة والكفارات ، لأن الفرض أهم من النفل ، والظاهر منه البداءة بالأهم زيلعي وأراد بالفرض ما يشمل الواجب بقرينة قوله : والكفارات لكن الفرض الحقيقي مقدم على الواجب كما مر ، وفي القهستاني : فيبدأ بالفرض حق العبد ثم حق الله تعالى ثم الواجب ثم النفل كما روي عنهم ( قوله وإن تساوت قوة إلخ ) قال في الملتقى : وإن تساوت في الفرضية وغيرها قدم ما قدم . وقيل تقدم الزكاة على الحج . وقيل بالعكس إلخ ومثله في الاختيار القهستاني فأشار إلى أنه لا يقدم بعض الفرائض على البعض بلا تقديم من الموصي إذا تساوت قوة أي بأن كانت كلها فرائض حقيقة احتراز عما لو كان فيها واجبات ، وأن القول بتقدم بعض الفرائض على بعض غير معتمد .

والقائل بذلك الإمام الطحاوي ، وبالأول الإمام الكرخي ، وذكر أنه قول الكل حيث قال في مختصره : قال هشام عن محمد عن أبي حنيفة وأبي يوسف وهو قول محمد كل شيء كان جميعه لله تعالى من الحج والصدقة والعتق وغيره ، فأوصى به رجل والثلث لا يبلغ ذلك فإن كان كله تطوعا بدأ بالأول مما نطق به حتى [ ص: 662 ] يأتي على آخره أو ينتقص الثلث ، فيبطل ما بقي وكذلك لو كان كله فريضة بدئ بالأول فالأول ، حتى يكون النقصان على الآخر وإن كان بعضه تطوعا وبعضه فريضة ، أو أوجبه على نفسه بدئ بالفرض أو ما أوجبه على نفسه وإن أخره في نطقه قال هشام إلى هنا قولهم جميعا وتمامه في غاية البيان ( قوله قال الزيلعي إلخ ) أقول : قال الزيلعي بعد قول الكنز وإن تساوت في القوة إلخ ، لأن الظاهر من حال المرء أن يبدأ بما هو الأهم عنده ، والثابت بالظاهر كالثابت نصا فكأنه نص على تقديمه فتقدم الزكاة على الحج لتعلق حق العبد بها ، وهما على الكفارة لرجحانهما عليها لأنه جاء من الوعيد فيهما ما لم يأت في غيرهما وكفارة القتل والظهار واليمين مقدمة على الفطرة إلخ ومثله في النهاية .

أقول : صدر تقريره موافق لقول الكرخي وآخره لقول الطحاوي فقد جمع بين القولين مفرعا أحدهما على الآخر ، وقد علمت من عبارة الملتقى تخالفهما وأن الثاني منهما ضعيف فتدبر : ولم أر من أوضح هذا المحل فتأمل ثم رأيت الأتقاني قال في غاية البيان : وقال بعضهم : إن كفارة القتل تقدم على كفارة اليمين لقوتها بشرط الإسلام فيها ثم كفارة اليمين على كفارة الظهار لوجوبها بهتك حرمة اسم الله تعالى ، والثانية بإيجاب حرمة على نفسه ولنا فيه نظر لأنه خلاف المنصوص من الرواية لا تقدم الفرائض بعضها على بعض وكذلك التطوع بل يبدأ بما بدأ به الموصي وقد مر نص الكرخي على ذلك والمعنى في تقديم الزكاة والحج على الكفارات ذكرناه وهو الوعيد ومثل هذا لم يوجد في شيء من الكفارات ا هـ وأراد بالبعض صاحب النهاية .

أقول : وتقديم الحج والزكاة على الكفارات ظاهر ، لأن الكفارات واجبة كما مر لكن الأتقاني نفسه ذكر أنه تقدم الكفارات على الفطرة والفطرة على الأضحية كما فعل الزيلعي والشارح ولعله بناه على قول الطحاوي ، وعليه لا مانع من تقديم بعض الكفارات على بعض إذا وجد المرجح كما فعله صاحب النهاية وتبعه الزيلعي وبه يسقط النظر فتدبر ( قوله يبدأ بكفارة قتل ثم يمين ثم ظهار ) تقدم وجه ترتيبها ( قوله ثم إفطار إلخ ) مخالف لما في النهاية من تقديم الفطرة لوجوبها بالإجماع وبأخبار مستقضية على كفارة الإفطار لثبوتها بخبر الواحد ، وعلى النذر لأنها بإيجاب الله تعالى فتقدم على ما يجب بإيجاب العبد والنذر على الأضحية للاختلاف في وجوبها دون وجوبه ( قوله وقدم العشر ) لعله لاشتماله على حق الله تعالى والعباد بخلاف الخراج فإنه قصر على الثاني ط ( قوله أن حج النفل أفضل من الصدقة ) يشير إلى تقديمة عليها ، وإن أخره الموصي لكن في العناية والنهاية أن ما ليس بواجب قدم فيه ما قدمه كحج تطوع وعتق نسمة غير معينة وصدقة على الفقراء ، وهو ظاهر الرواية وروى الحسن عن أصحابنا أنه يبدأ بالأفضل فالأفضل يبدأ بالصدقة ثم الحج ثم العتق ا هـ وقوله : يبدأ بالصدقة ثم الحج مبني على ما كان يقوله الإمام أولا ولما شاهد مشقة الحج رجع فإذا حج بمقدار ما يريد إنفاقه كان أفضل




الخدمات العلمية