[ ص: 28 ] المبحث الرابع: اشتراط الرجوع في العمرى
إذا أعمر شخص آخر شيئا ما، واشترط رجوع العين التي أعمرها إلى ملكه بعد موت المعمر بأن يقول مثلا: لك عمرك فإذا مت أنت فهي رد علي، أو يقول: هي لك عمري، فإذا مت أنا فهي رد على ورثتي.
فهل هذا شرط صحيح نافذ، أو أنه شرط باطل؟ اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه شرط صحيح، وعلى هذا فليس للمعمر أن يتصرف برقبة العين المعمرة ببيع أو هبة، وغير ذلك، وإنما يتصرف في منفعتها فقط، وإن كانت أمة فليس له وطؤها، وإذا مات المعمر رجعت هذه العين إلى صاحبها إن كان حيا، أو لورثته إن كان ميتا.
وبه قال المالكية، وبعض الشافعية، وهي إحدى الروايتين عن اختارها شيخ الإسلام الإمام أحمد، ابن تيمية، وبه قال القاسم بن محمد، وزيد بن قسيط، والزهري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، [ ص: 29 ] وبه قال وابن أبي ذئب، داود الظاهري.
القول الثاني: أنه شرط باطل، وعلى هذا فللمعمر أن يتصرف في العين المعمرة بما شاء من بيع أو هبة، أو غير ذلك.
وهذا هو قول الحنفية، وهو قول في الجديد، وهو الأصح عند الشافعي الشافعية، وهو إحدى الروايتين عن وهو ظاهر المذهب عند الإمام أحمد، الحنابلة، وبه قال بعض الظاهرية.
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بما يلي:
1- قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود .
والأمر بإيفاء العقد يتضمن إيفاء أصله ووصفه، ومن وصفه الشرط فيه.
(241) 2- ما رواه من طريق مسلم أبي سلمة، عن -رضي الله عنهما- قال: جابر بن عبد الله "إنما العمرى التي أجاز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: هي لك ولعقبك، فأما إذا قال: هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها".
وجه الاستدلال من هذا الحديث: هو أنه صريح في صحة اشتراط رجوع [ ص: 30 ] العمرى إلى صاحبها بعد موت المعمر، وهذا لا يكون في تمليك الرقاب، وإنما يكون في تمليك المنافع.
ونوقش الاستدلال بهذا الحديث:
بأن قوله: "فأما إذا قال: هي لك ما عشت، فإنها ترجع إلى صاحبها" هو من كلام نفسه، ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم. جابر
ويحتمل أن يكون مدرجا من كلام لأنه روي عن الزهري; من طرق أخرى وليس فيه قوله: "فأما إذا قال..." إلخ. جابر
الجواب عن هذه المناقشة:
يجاب عن قولهم: بأن قوله: "فأما إذا قال... هو من كلام " جابر... -رضي الله عنه- أعلم بمعنى ما روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، وهذا منه تفسير لما رواه، فيتعين الأخذ به. وجابر