الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الثاني: الشرط الثاني: أن يكون الموقوف عليه ممن يصح تملكه

        وفيه مسائل:

        المسألة الأولى: الوقف على الحيوان:

        وصورة ذلك: أن يقول: هذا البيت وقف على خيل الجهاد، أو خيل طلبة العلم، ونحو ذلك.

        فقد اختلف العلماء - رحمهم الله - في صحة الوقف على الحيوانات والطيور على ثلاثة أقوال:

        القول الأول: صحة الوقف على الحيوان، والطير.

        وبه قال المالكية، قال المرداوي: « واختار الحارثي الصحة، وقال: هو الأظهر عندي كما في الوقف على القنطرة، والسقاية، وينفق عليها ».

        القول الثاني: عدم صحة الوقف على الحيوان، والطير.

        وهو ظاهر قول الحنفية، والحنابلة.

        القول الثالث: التفصيل، فيصح الوقف على الحيوانات الموقوفة، [ ص: 432 ] ولا يصح على ما عداها من المملوكة والمباحة، واستثنى الغزالي حمام الحرم، فيصح الوقف عليها.

        وبه قال الشافعية.

        الأدلة:

        أدلة القول الأول:

        1 - عمومات أدلة الوقف السابقة، وهذه تشمل الوقف على الحيوان.

        (128) 2 - ما رواه البخاري ومسلم من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له »، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ فقال: « في كل ذات كبد رطبة أجر » (129) 3 - ما رواه البخاري ومسلم من طريق قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما من مسلم يغرس غرسة، أو يزرع زرعة، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة ». [ ص: 433 ]

        4 - القياس على الوصية، وإذا صحت الوصية للحيوان صح الوقف عليها.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأن الأصل المقيس موضع خلاف بين العلماء، ومن شروط صحة القياس الاتفاق على الأصل المقيس عليه.

        5 - أن الأصل في الوقف الحل والصحة.

        دليل القول الثاني: (عدم صحة الوقف على الحيوان) :

        استدل من قال بعدم صحة الوقف على الحيوان والطير: بأن الوقف تمليك للمنفعة، والحيوان والطير ليس أهلا للملك.

        ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

        الوجه الأول: أن ملك كل شيء بحسبه، فملك الإنسان يختلف عن ملك الحيوان.

        الوجه الثاني: أنه لا يسلم أن الوقف تمليك، بل الوقف شامل لتمليك المنفعة، ولمطلق الانتفاع، وإن لم يحصل تمليك كما في الصلاة في المسجد.

        دليل القول الثالث: (التفصيل) :

        1 - يصح الوقف على الحيوانات الموقوفة؛ لما تقدم من أدلة الرأي الأول.

        2 - ولما تقدم من إثبات الملك للحيوانات الموقوفة.

        3 - أنه لا يصح الوقف على الحيوانات المباحة والمملوكة؛ لأنها ليست أهلا للملك بحال، كما لا تصح الهبة لها، ولا الوصية. [ ص: 434 ]

        وقد تقدمت مناقشة هذا الاستدلال.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - صحة الوقف على الحيوان والطير مطلقا؛ لقوة دليله، ولأن الوقف فعل قربة وإحسان، فلا يمنع منه إلا لدليل.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية