الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المبحث الثالث: رجوع غير الوالد

        إذا وهب شخص آخر هبة، فهل له أن يرجع في هبته؟.

        فيه مطلبان:

        المطلب الأول

        الرجوع في الهبة قبل القبض

        اختلف أهل العلم في ذلك على ثلاثة أقوال:

        القول الأول: الرجوع في الهبة لا يجوز ولو قبل القبض.

        قال به المالكية، والظاهرية.

        واستدلوا: بما تقدم من الأدلة على أن الهبة تملك، تلزم بمجرد العقد، وإذا كان كذلك، فلا يجوز الرجوع فيها.

        القول الثاني: أن الرجوع في الهبة جائز مع الكراهة. [ ص: 88 ]

        قال به المالكية في قول، والحنابلة.

        وأما الحنفية، والشافعية، فقد سبق أن الهبة لا تملك عندهم إلا بالقبض.

        ودليلهم:

        1- ما تقدم من الأدلة على أن الهبة قبل القبض غير لازمة، وقالوا بالكراهة؛ خروجا من خلاف من قال: إن الهبة تلزم بالعقد.

        ونوقش هذا الاستدلال: بعدم التسليم، فالهبة تلزم بمجرد العقد كما سبق.

        2- أن الهبة تبرع وإحسان، فكان للواهب الخيار في الرجوع فيها قبل تمامها بالقبض.

        ونوقش: بأنه استدلال بمحل النزاع.

        القول الثالث: أن الرجوع في الهبة جائز إذا كانت مكيلة أو موزونة، وإن كانت من غيرهما لم تجز. [ ص: 89 ]

        قال به أحمد في رواية.

        دليل هذا القول:

        أثر عائشة السابق من قول أبي بكر -رضي الله عنه- لها: "وإني كنت نحلتك من مالي جداد عشرين وسقا، فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك ذلك، وإنما هو مال الوارث. . .".

        وجه الدلالة: أن أبا بكر -رضي الله عنه- رجع في الهبة من المكيلات قبل قبض الموهوب له، فدل على جوازه، ويقاس عليه الموزونات.

        ونوقش: أنه يمنع من اختصاص المكيلات والموزونات بهذا الحكم; وذلك لإمكان قياس غير المكيلات من الأموال عليها; لعدم الفرق، فكما يجوز الرجوع في الهبة من المكيلات قبل القبض، فكذلك غيرها.

        الترجيح:

        بعد استعراض أدلة أصحاب الأقوال السابقة، فإن الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول; لما تقدم من الأدلة على الهبة تلزم بمجرد العقد.

        * * *

        التالي السابق


        الخدمات العلمية