الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الثاني: حكم الرجوع في الهبة بعد القبض

        اختلف العلماء في ذلك على قولين:

        القول الأول: أن الرجوع في الهبة بعد القبض لا يجوز. [ ص: 90 ]

        قال به المالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية.

        الأدلة:

        1- ما تقدم من الأدلة على لزوم الهبة بالقبض.

        وجه الدلالة: دلت هذه الأدلة على لزوم الهبة بالقبض، واستقرارها ودخولها في ملك الموهوب له، وإذا كان كذلك فليس للواهب الرجوع.

        2- ما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "العائد في هبته كالكلب يقيء، ثم يعود في قيئه".

        وجه الدلالة: أن الحديث يدل على تحريم الرجوع في الهبة; لتشبيه العود فيها بالرجوع في القيء وهو حرام، والذي يعتبر من أسوأ أحواله.

        ونوقش: أن الحديث لا يدل على تحريم الرجوع في الهبة، وذلك أن فعل الكلب لا يوصف بالحرمة، وإنما يوصف بالقبح، فهذا التشبيه لخساسة الفعل، ودناءة الفاعل، فيقال بكراهة العود، لا بتحريمه، قال [ ص: 91 ] الطحاوي: "فدل هذا الحديث على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما أراد بما قد ذكرنا في الحديث الأول تنزيه أمته عن أمثال الكلاب، لا أنه أبطل أن يكون لهم الرجوع في هباتهم.

        وأجيب:

        أن عرف الشرع: أن المراد بهذا التشبيه إنما هو الزجر الشديد عن الفعل، فهو متضمن للنهي عنه، والتنفير منه، الذي يدل على تحريم الإتيان بمشابهة الكلب، لا سيما وأن في إحدى روايات حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليس لنا مثل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه".

        3- حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يحل للرجل أن يعطي عطية، أو يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده ...".

        ونوقش هذا الاستدلال: أن معنى قوله: "لا يحل" هو: التحذير عن الرجوع، لا نفي الجواز عنه، كما في قولك: "لا يحل للواجد رد السائل".

        وأجيب: بأن لفظ "لا يحل" ظاهر في التحريم، فلا تحمل على غير الظاهر إلا بدليل، ولا دليل على ذلك.

        4- أن الهبة تلزم بالقبض، فلا يجوز الرجوع فيها; كما لا يجوز الرجوع في البيع اللازم. [ ص: 92 ]

        قال في كفاية الأخبار: "ثم إذا حصل القبض المعتبر لزمت الهبة، وليس للواهب الرجوع فيها كسائر العقود اللازمة".

        التالي السابق


        الخدمات العلمية