الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        الأمر الرابع: الإقرار لأجنبي:

        إذا أقر المريض مرض الموت لغير وارث، فقد اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- على أقوال:

        القول الأول: أن إقرار المريض لأجنبي لا يقبل إلا إذا دلت القرائن على صدقه.

        وبه قال المالكية.

        وحجتهم: أن إبطال الإقرار مطلقا تضييق على المريض، وقبوله مطلقا فيه حرج على الورثة، وعليه فيقبل عند عدم التهمة، ويرد عند وجودها.

        القول الثاني: صحة هذا الإقرار، سواء أجاز الورثة أو لم يجيزوا؟ وبه قال الحنفية، والشافعية، والحنابلة. [ ص: 305 ]

        قال ابن المنذر: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن إقرار المريض في مرضه لغير الوارث جائز".

        وحجتهم:

        1- ما روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "إذا أقر المريض بدين جاز ذلك عليه في جميع تركته".

        2- أن قضاء الدين من الحوائج الأصلية; لأن فيه رفع الحائل بين المدين وبين الجنة، وإذا ثبت أنه من الحوائج الأصلية كان إقراره بالدين نافذا ومقدما على حقوق الورثة; لأن حقوقهم تتعلق بالتركة بشرط الفراغ من حاجات المريض.

        ونوقش: بأن هذا صحيح فيما ثبت أنه دين وهنا لم يثبت; لأنه متهم في إقراره.

        3- أن الإنسان يحتاج إلى المعاملة، فلو أبطلنا إقراره في المرض لامتنع الناس من معاملته في الصحة.

        ونوقش: بأن هذا غير مسلم، ولا يظن أن أحدا امتنع من معاملة آخر خشية أن يمرض، وكما يعرض للناس المرض يعرض لهم الموت.

        القول الثالث: أنه لا يقبل.

        وهو رواية عن الإمام أحمد.

        وحجته:

        1- إلحاقه بالإقرار لوارث. [ ص: 306 ]

        ونوقش: بأن هذا قياس غير صحيح; لأن الأصل المقيس عليه موضع خلاف كما تقدم، ولوجود الفارق، فإن الوصية بالثلث تجوز لأجنبي ولا تجوز لوارث.

        2- أن حقوق الورثة والغرماء قد تعلقت بمال المريض من حين مرضه، فلا يقبل إقراره كالمفلس لما تعلقت حقوق الغرماء بماله لإفلاسه لم يقبل إقراره في ماله.

        ونوقش: بأن عدم قبول إقرار المفلس غير مسلم، بل إقراره صحيح، ويثبت المبلغ المقر به في ذمته بعد فك الحجر عنه.

        القول الثالث: أن إقرار الأجنبي يصح إذا كان يخرج من الثلث، فإن زاد على الثلث لم يصح الإقرار بالزائد.

        وهو رواية عن الإمام أحمد.

        وحجته: أن المريض ممنوع من الزيادة على الثلث في العطية، فلا يصح إقرار بما لا يملك أن يعطيه.

        ونوقش: بأن الإقرار ليس كالعطية، فالإقرار إخبار، والعطية ابتداء تمليك في المال على وجه تبرع في حدود للأجنبي افترقا.

        الترجيح:

        الراجح -والله أعلم- ما ذهب إليه المالكية; لما فيه من التوفيق بين مصالح الورثة، والغرماء، ومصالح المريض.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية