الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الثالث: الشرط الثالث: أن يكون الموقوف عليه موجودا

        (الوقف على المعدوم)

        اختلف العلماء - رحمهم الله - في صحة الوقف على المعدوم، كالوقف على من لم يحمل به، على قولين:

        القول الأول: صحة الوقف على المعدوم.

        وبه قال المالكية.

        القول الثاني: عدم صحة الوقف على المعدوم. [ ص: 437 ]

        وهو قول جمهور أهل العلم: الحنفية، والشافعية، والحنابلة.

        جاء في كشاف القناع: « (ولا يصح) الوقف (على معدوم أصلا) أي: أصالة (كـ) قوله: وقفت هذا على (من سيولد) لي أو لفلان (أو) على من (يحدث لي أو لفلان) ؛ لأنه لا يصح تمليك المعدوم (ويصح) الوقف على المعدوم (تبعا) كوقفت على أولادي، ومن سيولد لي، أو على أولاد زيد، ومن يولد له أو على أولادي ثم أولادهم أبدا ».

        جاء في الإنصاف: « فائدة: لو قال: وقفت على من سيولد لي أو من سيولد لفلان لم يصح على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وجزم به القاضي في خلافه وغيره وقدمه في الفروع وغيره، وصححه المصنف في المغني وغيره، وذكره المصنف في مسألة الوصية لمن تحمل هذه المرأة.

        وقال المجد: ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله صحته، ورده ابن رجب.

        قوله: (والبهيمة) يعني: لا يصح الوقف عليها، وهو المذهب وعليه الأصحاب، واختار الحارثي الصحة، وقال: وهو الأظهر عندي كما في الوقف على القنطرة والسقاية، وينفق عليها.

        الأدلة:

        أدلة القول الأول:

        استدل القائلون بصحة الوقف على المعدوم بما يلي: [ ص: 438 ] 1 - عمومات أدلة الوقف، وهذه تشمل الوقف على المعدوم.

        2 - القياس على الوصية فيصح الوقف عليه كما تصح الوصية له.

        ونوقش هذا الدليل: بعدم التسليم بصحة الوصية للمعدوم؛ لأنها تمليك، والمعدوم لا يمكن تمليكه.

        وأجيب من وجهين:

        الوجه الأول: أن تمليك المعدوم عند وجوده، فتمليك كل شيء بحسبه.

        الوجه الثاني: أن عقود التبرعات أوسع من غيرها؛ إذ المراد منها التقرب إلى الله عز وجل، وإيصال النفع للغير.

        1 - أنه يصح الوقف على الحمل تبعا، وهو معدوم - كما سيأتي - ، فكذا هنا.

        2 - أنه تصح هبة الحمل تبعا، وهو معدوم، فكذا هنا.

        أدلة القول الثاني: (عدم صحة الوقف على المعدوم) :

        استدل القائلون بعدم صحة الوقف على المعدوم بما يلي:

        1 - أنه تمليك في حال الحياة، فلم يصح إلا على موجود حي كالهبة والبيع.

        2 - أن الوقف تمليك للمنفعة، ولا تصح إلا على من يصح أن يكون مالكا، والمعدوم لا يمكن تمليكه؛ لعدم وجوده حال الوقف.

        ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

        الوجه الأول: أما عدم صحة الوقف قياسا على الهبة، فغير مسلم [ ص: 439 ] الأصل؛ إذ هو موضع خلاف بين أهل العلم، وأما البيع فمن عقود المعاوضات يطلب فيه من التحرير والضبط ما لا يطلب في عقود التبرعات، والوقف من عقود التبرعات.

        الوجه الثاني: أنه لا يسلم أن الموقوف عليه يشترط أن يكون مالكا؛ ولذا صح الوقف على الحيوان، وأيضا هو استدلال في محل النزاع.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - هو القول بصحة الوقف على المعدوم؛ لما تقدم من أن الوقف عمل خير، وفعل قربة، فلا يمنع منه إلا لدليل، ولأن الأصل إعمال كلام المكلف لا إهماله.

        * * *

        التالي السابق


        الخدمات العلمية