المبحث الثالث: رجوع غير الوالد
إذا وهب شخص آخر هبة، فهل له أن يرجع في هبته؟.
فيه مطلبان:
المطلب الأول
الرجوع في الهبة قبل القبض
اختلف أهل العلم في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: الرجوع في الهبة لا يجوز ولو قبل القبض.
قال به المالكية، والظاهرية.
واستدلوا: بما تقدم من الأدلة على أن الهبة تملك، تلزم بمجرد العقد، وإذا كان كذلك، فلا يجوز الرجوع فيها.
القول الثاني: أن الرجوع في الهبة جائز مع الكراهة. [ ص: 88 ]
قال به المالكية في قول، والحنابلة.
وأما الحنفية، والشافعية، فقد سبق أن الهبة لا تملك عندهم إلا بالقبض.
ودليلهم:
1- ما تقدم من الأدلة على أن الهبة قبل القبض غير لازمة، وقالوا بالكراهة؛ خروجا من خلاف من قال: إن الهبة تلزم بالعقد.
ونوقش هذا الاستدلال: بعدم التسليم، فالهبة تلزم بمجرد العقد كما سبق.
2- أن الهبة تبرع وإحسان، فكان للواهب الخيار في الرجوع فيها قبل تمامها بالقبض.
ونوقش: بأنه استدلال بمحل النزاع.
القول الثالث: أن الرجوع في الهبة جائز إذا كانت مكيلة أو موزونة، وإن كانت من غيرهما لم تجز. [ ص: 89 ]
قال به في رواية. أحمد
دليل هذا القول:
أثر السابق من قول عائشة -رضي الله عنه- لها: "وإني كنت نحلتك من مالي جداد عشرين وسقا، فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك ذلك، وإنما هو مال الوارث. . .". أبي بكر
وجه الدلالة: أن -رضي الله عنه- رجع في الهبة من المكيلات قبل قبض الموهوب له، فدل على جوازه، ويقاس عليه الموزونات. أبا بكر
ونوقش: أنه يمنع من اختصاص المكيلات والموزونات بهذا الحكم; وذلك لإمكان قياس غير المكيلات من الأموال عليها; لعدم الفرق، فكما يجوز الرجوع في الهبة من المكيلات قبل القبض، فكذلك غيرها.
الترجيح:
بعد استعراض أدلة أصحاب الأقوال السابقة، فإن الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول; لما تقدم من الأدلة على الهبة تلزم بمجرد العقد.
* * *