الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        [ ص: 249 ] الفصل الثاني: الهبة في مرض الموت

        وفيه مبحثان:

        المبحث الأول: تكييف حق الورثة المتعلق بمال مورثه وقت مرض الموت.

        المبحث الثاني: أقسام المرض، وحكم الهبة في كل قسم.

        [ ص: 250 ]

        [ ص: 251 ]

        المبحث الأول

        تكييف حق الورثة المتعلق بمال مورثه وقت مرض الموت

        الفقهاء اختلفوا في تكييف حق الورثة الذي يتعلق بمال مورثهم وقت مرض الموت.

        فذهب بعضهم: إلى أنه حق ملكية كامل يثبت بمجرد المرض في ثلثي الباقي بعد الديون.

        وذهب آخرون: إلى أنه مجرد حق في الخلافة لا يثبت ملكا، وإنما تبتدئ الملكية فقط من وقت الوفاة.

        وقد استدل الفريق الأول:

        1- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم".

        فإنه يدل على أن الملكية قد زالت عن المورث في الثلثين إلى وارثه، ولم تبق له إلا في الثلث الذي تصدق به الله عليه.

        2- بدلالة الإجماع على أن تصرفه في مرض الموت لا ينفذ إلا من الثلث، ولو كان ملكه في الثلثين باقيا لنفذ تبرعه بالأكثر من الثلث، ولكن هذه الملكية، لا تظهر إلا بعد الموت، فعدم نفاذ تبرعه بالزيادة على الثلث [ ص: 252 ] دليل على زوال الملكية، ولا تزول إلا إلى مالك، وهم الورثة; لأنهم خلفاؤه وأقرب الناس إليه.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأن ما احتج به الفريق الأول من الحديث ومن عدم نفاذ تبرعه، وكون الوارث خليفة الميت لا يدل على الملكية; لأن عدم جواز تصرفه في الثلثين، وعدم نفاذ تبرعه إنما كان لتعلق هذا الحق به، ولو كانت للوارث ملكية لكانت له ولاية معه حال حياته، ولم يقل به أحد، وما ذلك إلا لأنه لا ملك له مع وجوده، وإنما هو مجرد حق في الخلافة.

        واستدل الفريق الثاني بالتالي:

        1- الإجماع على أن تبرع المريض في مرض موته لا ينقض في حياته، ولكن ينقض بعد موته، ولو كان لهم ملكية قبل الموت لكان لهم نقضه.

        2- لأنه لو كان حق ملكية لمنع من الميراث من كان غير وارث وقت مرض الموت لمانع كالكفر مثلا، ثم أسلم قبل موت المريض مباشرة، مع أنه يرث بالاتفاق، فلو كانت الملكية ثابتة للورثة من أول المرض لما ورث، ولأن باقي الورثة قد ملكوا الميراث، وزالت ملكيته عن المورث الأصلي.

        3- ولأنه لم يعهد في الشرع أن يكون الشيء الواحد ملكا لشخصين في وقت واحد ملكا خاصا لكل منهما.

        4- ولأن ثبوت مجرد الحق في الخلافة إنما كان ضرورة لحفظ حق الوارث في الثلثين، وما كان للضرورة يقدر بقدرها لا يعدوها، فلا يكون ملكا.

        5- ولأن مجرد الحق في الخلافة كاف لحفظ حقه في الثلثين، وفي نقضه لتصرفات مورثه بعد موته.

        ويظهر رجحان القول الثاني; لقوة دليله. [ ص: 253 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية