الفرع الثالث: أن تكون المعاوضة بدون ثمن المثل بأزيد من الثلث.
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أنها موقوفة على إجازة الورثة، فإن أجازوها جازت ونفذ البيع ولزم.
وهو قول الحنفية، والشافعية، والحنابلة.
القول الثاني: تبطل المحاباة فيما زاد على الثلث، فإن أجازها الورثة فهي عطية منهم له ابتداء، تفتقر للحوز على المشهور.
وهذا قول المالكية.
فإن لم يجز الورثة ما زاد على الثلث فقد اختلف الفقهاء في ذلك [ ص: 291 ] على أربعة أقوال:
القول الأول: أن على المشتري إكمال المقدار الذي لم يتسع له الثلث، وإذا لم يفعل انفسخ البيع.
وهو قول الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد.
القول الثاني: أن المشتري مخير بين الفسخ فيرد المبيع، ويأخذ الثمن لتقر الصفقة عليه وإمضاء البيع.
وهو أحد قولي الشافعية، وقول الحنابلة، فإذا اختار الإمضاء فوجهان:
أحدهما: يأخذ نصف المبيع بنصف الثمن، ويفسخ البيع في الباقي.
وهو رواية عن الإمام أحمد، وصححه في المغني، والمحرر، وهو أحد الوجهين عند الشافعية.
والثاني: يأخذ ثلثي المبيع بالثمن كله.
وهو الوجه الثاني للشافعية، وقول القاضي من الحنابلة.
القول الثالث: أن البيع لازم له فيما يقابل الثمن، وما يحتمله الثلث من المحاباة، وما زاد على الثلث من المحاباة يبطل البيع.
وهو مفهوم من كلام المالكية.
القول الرابع: أن البيع يبطل.
وهو القول الآخر للشافعية بناء على قولهم الآخر في تفريق الصفقة.
وما ذهب إليه الجمهور من القول بتوقف العقد على إجازة الورثة هو [ ص: 292 ] الراجح; وذلك لأن المقصود إزالة الضرر عنهم، فإذا أمضوا تصرف مورثهم فقد رضوا بإسقاط حقهم، وذلك لهم.
أما قول الحنفية في الزائد على الثلث، وأن المشتري يجبر على إكمال المقدار الذي لم يتسع له الثلث فيؤخذ على هذا القول أن فيه إجبار المشتري على المعاوضة، والله عز وجل يقول: إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم والمشتري لم يرض به إلا بالثمن الأول.
ولذا يظهر أن القول الثاني أقوى، أي: إعطاء المشتري الخيار بين الفسخ أو الإمضاء; لأن في الأخذ بهذا القول نظرا للجانبين: جانب الورثة بإزالة الضرر عنهم، والضرر الحاصل على المشتري بتفريق الصفقة عليه، ثم إذا اختار الإمضاء أخذ ثلثي المبيع بالثمن كله، ثلث بالثمن، وثلث بالمحاباة; وذلك لأن المريض لو تبرع له بالثلث ابتداء صح، فيجعل الثمن الذي دفعه في مقابل ثلث المبيع، وثلث يكون له تبرعا، ويبقى للورثة الثلث وثمن الثلث. والله أعلم.