الشرط الرابع: أن يكون معينا، فلا يصح الإبراء مع إبهام المبرأ.
فلو قال: أبرأتك من أحد الدينين ونحو ذلك، أو أبرأت أحد هذين الرجلين، فللعلماء في هذا الشرط قولان:
القول الأول: صحة
nindex.php?page=treesubj&link=25077الإبراء مع إبهام المحل.
وهو الظاهر من مذهب
المالكية، والرواية الثانية عند
الحنابلة; لأن
المالكية يجوزون الإبراء من المجهول، وهبة المجهول والمعدوم.
القول الثاني: عدم صحة الإبراء مع إبهام المحل.
وإليه ذهب
الحنفية، والشافعية، ومذهب
الحنابلة. [ ص: 340 ]
الأدلة:
دليل القول الأول:
1- قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=280وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون .
وجه الدلالة: أن الله عز وجل رغب في الإبراء، وهذا يشمل إبهام المحل.
2- أنه بالإمكان الوصول إلى التخلص من هذا الإبهام بأمر سهل، وهو طلب البيان من المبرئ.
3- ما تقدم من الأدلة على جواز الإبراء من المجهول.
دليل القول الثاني: عدم صحة الإبراء مع إبهام المحل:
القياس على الهبة والضمان، فكما أنه لو قال: وهبتك أحد هذين العبدين، أو ضمنت لك أحد الدينين لا يصح، فكذلك هنا لو قال: أبرأت أحد غريمي لم يصح، والجامع بينهما إبهام المحل.
ونوقش هذا الاستدلال: بأن الأصل المقيس عليه موضع خلاف بين أهل العلم.
الترجيح:
الذي يترجح لي هو: القول بصحة الإبراء ولو مع إبهام المحل; لأن هذا من قبيل التبرع، وتقدم عدم اشتراط العلم بالموهوب، ولما في ذلك من فكاك ذمة المدين، وتخليصه من ذل الدين، وحصول المبرئ على ثواب الإبراء. والله أعلم.
[ ص: 341 ]
وعلى هذا إذا أبرأه من أحد الدينين يرجع في تفسيره للمبرئ، قاله
الحلواني والحارثي من
الحنابلة، قال في الفروع: "يعني: ثم يقرع على المذهب".
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، فَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مَعَ إِبْهَامِ الْمُبْرَأِ.
فَلَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُكَ مِنْ أَحَدِ الدَّيْنَيْنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، أَوْ أَبْرَأْتُ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَلِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الشَّرْطِ قَوْلَانِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: صِحَّةُ
nindex.php?page=treesubj&link=25077الْإِبْرَاءِ مَعَ إِبْهَامِ الْمَحَلِّ.
وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ
الْمَالِكِيَّةِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ
الْحَنَابِلَةِ; لِأَنَّ
الْمَالِكِيَّةَ يُجَوِّزُونَ الْإِبْرَاءَ مِنَ الْمَجْهُولِ، وَهِبَةَ الْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: عَدَمُ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ مَعَ إِبْهَامِ الْمَحَلِّ.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَمَذْهَبُ
الْحَنَابِلَةِ. [ ص: 340 ]
الْأَدِلَّةُ:
دَلِيلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ:
1- قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=280وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ .
وَجْهُ الدَّلَالَةِ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَغَّبَ فِي الْإِبْرَاءِ، وَهَذَا يَشْمَلُ إِبْهَامَ الْمَحَلِّ.
2- أَنَّهُ بِالْإِمْكَانِ الْوُصُولُ إِلَى التَّخَلُّصِ مِنْ هَذَا الْإِبْهَامِ بِأَمْرٍ سَهْلٍ، وَهُوَ طَلَبُ الْبَيَانِ مِنَ الْمُبْرِئِ.
3- مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى جَوَازِ الْإِبْرَاءِ مِنَ الْمَجْهُولِ.
دَلِيلُ الْقَوْلِ الثَّانِي: عَدَمُ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ مَعَ إِبْهَامِ الْمَحَلِّ:
الْقِيَاسُ عَلَى الْهِبَةِ وَالضَّمَانِ، فَكَمَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَهَبْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ، أَوْ ضَمِنْتُ لَكَ أَحَدَ الدَّيْنَيْنِ لَا يَصِحُّ، فَكَذَلِكَ هُنَا لَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُ أَحَدَ غَرِيمَيَّ لَمْ يَصِحَّ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا إِبْهَامُ الْمَحَلِّ.
وَنُوقِشَ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ: بِأَنَّ الْأَصْلَ الْمَقِيسَ عَلَيْهِ مَوْضِعُ خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
التَّرْجِيحُ:
الَّذِي يَتَرَجَّحُ لِي هُوَ: الْقَوْلُ بِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ وَلَوْ مَعَ إِبْهَامِ الْمَحَلِّ; لِأَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ التَّبَرُّعِ، وَتَقَدَّمَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالْمَوْهُوبِ، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ فِكَاكِ ذِمَّةِ الْمَدِينِ، وَتَخْلِيصِهِ مِنْ ذُلِّ الدَّيْنِ، وَحُصُولِ الْمُبْرِئِ عَلَى ثَوَابِ الْإِبْرَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[ ص: 341 ]
وَعَلَى هَذَا إِذَا أَبْرَأَهُ مِنْ أَحَدِ الدَّيْنَيْنِ يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِهِ لِلْمُبْرِئِ، قَالَهُ
الْحُلْوَانِيُّ وَالْحَارِثِيُّ مِنَ
الْحَنَابِلَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: "يَعْنِي: ثُمَّ يُقْرَعُ عَلَى الْمَذْهَبِ".