وأيضا فإنما يجوز أن يعلم المفعولات على وجه كلي أزلي أبدي لا يتغير، أن لو كانت المخلوقات مخلوقة على هذا الوجه، ولو كان كذلك لزم أن لا يكون في العالم شيء من الحوادث؛ لأن فلا بد أن يحدث ما يكون تمام العلة التامة لحدوث الحوادث، فإن قدر أنه لم يعلم إلا الأمر القديم الأزلي الأبدي، امتنع أن يحدث شيئا [ ص: 196 ] لوجهين: أحدهما: أن الحادث لا يحدث عن قديم أزلي أبدي بدون حادث. حدوث الحادث بعد أن لم يكن إنما يكون عن حدوث تمام علته، وحدوث تمام العلة لا بد له من سبب حادث، وهو تمام علته التامة، حتى ينتهي الأمر إليه تعالى،
وهذا أصلهم الذي يقولون به.
ثم نقول: إن جاز حدوث الحادث عن القديم، جاز أن يفعل بعد أن لم يكن فاعلا، ولزم حينئذ علمه بالمحدثات. وإن لم يجز ذلك امتنع أن يحدث عن العلة القديمة التامة شيء من الحوادث، فلا يحدث في العالم شيء. وإذا بطل كون العالم مخلوقا عن علة أزلية لم يحدث عنها، لزم أن الحوادث حدثت عند كمال الموجب لحدوثها، وذلك بحدوث تمام الموجب لحدوثه، وذلك يرجع إلى أمور قائمة به متعلقة بمشيئته وقدرته، وحينئذ فيجب علمه بها؛ لأنه من لوازم نفسه، ولامتناع وجودها بدون العلم بها.