والجمادات لم تقصد أن تعبد، فلا فرق عند عابديها بينها وبين أشباهها، والله سبحانه هو الذي أمر الخلق بعبادته، وهو نفسه هو الذي عبده المؤمنون فلا يصلح أن يأتيهم غير من يتبعونه غيره.
الوجه السابع عشر: أنه قد أخبر أنه بعد إتيانه إياهم في الصورة التي يعرفون، وإظهار الآية التي عرفوه بها، وسجود [ ص: 97 ] المؤمنين له دون المنافقين اتبعوه حتى مروا على الصراط، كما بين ذلك في حديث أبي هريرة وجابر وابن مسعود.
فلو كان الذي جاء في هذه المرة الثانية هو بعض النعم لكانوا قد اتبعوا تلك النعمة المخلوقة، فلا يكونون اتبعوا الرب الذي عبدوه، وهو خلاف نصوص الأحاديث، وخلاف العدل الذي أخبر به في الحديث؛ وذلك لأن وهذه حقيقة العدل أن يكون الإنسان مع المحبوب الذي يحبه محبة كاملة بحيث يحبه لذاته. العبادة مستلزمة كمال المحبة للمعبود، وكمال التعظيم له؛ فإن المعبود هو الذي يقصد ويحب لذاته، والمرء مع من أحب،
وإذا كان كذلك فيمتنع أن يكون المؤمنون متبعون لغير الله، والذي جاءهم هو الذي اتبعوه، فهو الله، وهو الذي جاءهم في الصورة التي عرفوه فيها، ولا ريب أن عند الجهمية يمتنع أن يكونوا متبعين لله كما يمتنع أن يكون هو الآتي، وكما يمتنع أن يكون قد أتاهم في صورة، وكما يمتنع أن يتجلى لهم ضاحكا، وكما يمتنع أن يكشف عن ساقه، فأحد الأمرين لازم إما أن يكون ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق أو ما يقوله هؤلاء الجهمية؛ إذ هما متناقضان غاية التناقض، ومن عرف ما جاء به [ ص: 98 ] الرسول صلى الله عليه وسلم ثم وافقهم فلا ريب أنه منافق.