[ ص: 264 ] وقد احتج أبو إسماعيل الأنصاري الهروي شيخ الإسلام في كتاب الأربعين فقال: (باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج بعينيه رؤية يقظة) واحتج بحديث هذا مع أنه رواه بأسانيد أكثرها من كتاب ابن عباس ولا حجة فيه على ذلك، كما تقدم. ابن خزيمة،
ذكر ما تقدم نقله عنه أنه قال: «اختلفت الرواية عن والقاضي أبو يعلى في أحمد محمد ربه هل رآه بعينه أو بفؤاده، أو يقال: رآه ولا يقيد؟ على ثلاث روايات». رؤية
قلت: وقد ذكرنا ألفاظ التي ذكرها وسقناها بتمامها، وتبين بذلك أن كلام أحمد ليس بمختلف، بل كلام [ ص: 265 ] أحمد نظير كلام أحمد رضي الله عنهما، تارة يقيد الرؤية بالقلب، وتارة يطلقها. ابن عباس
ثم قال القاضي: «والرواية الأولى أصح، وأنه رآه في تلك الليلة بعينيه، وهذه مسألة وقعت في عصر الصحابة، فكان ابن عباس وغيرهما يثبتون رؤيته في ليلة المعراج، وكانت وأنس تنكر رؤيته بعينه في تلك الليلة». عائشة
قال: «والدلالة على إثبات رؤيته تعالى قوله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء [الشورى: 51] فوجه الدلالة أنه تعالى قسم تكليمه لخلقه على ثلاثة أوجه: أحدها بإنفاذ الرسل، وهو كلامه لسائر الأنبياء والمكلفين، والثاني من وراء حجاب، وهو تكليمه لموسى، وهذا الكلام بلا واسطة؛ لأنه لو كان بواسطة دخل تحت القسم الأول الذي ذكرنا، وهو إنفاذ الرسل. الثالث: من غير رسول ولا حجاب، وهو كلامه لنبينا في ليلة الإسراء؛ إذ لو كان من وراء حجاب، أو كان رسولا دخل تحت القسمين ولم يكن للتقسيم فائدة، فثبت أنه كان كلامه له عن رؤية».
[ ص: 266 ] قلت: هذه الحجة أخذها من القاضي أبو يعلى ونحوه، فإنهم احتجوا بها على أن أبي الحسن الأشعري محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه، وهذه حجة داحضة؛ فإن هذا خلاف ما أجمع عليه الصحابة والتابعون في تفسير الآية الكريمة.
وأيضا فإن الله أخبر بأنه ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا على هذه الوجوه الثلاثة، فلو كان المراد بذلك أنه يكلم تارة مع المعاينة، وتارة مع الاحتجاب، وتارة بالمراسلة، لم يكن لهذا الحصر معنى، ولم يكن فرق بين الله تعالى وبين غيره في ذلك، ولم يكن نفى بهذا الحصر شيئا؛ فإن المكلم من البشر إما أن يعاينه المخاطب أو لا يعاينه، وإذا لم يعاينه فإما أن يخاطبه بنفسه أو رسوله، فلو كان المراد ما ذكر لزم هذه المحاذير.