فمراد من قوله: جهم يقول: لا يوصف بسابق علم في نفسه، والله تعالى يكذبه بذلك، ثم رسوله إذ يقول: «سبق علم الله في خلقه، فهم صائرون على ذلك» ثم أسند حديثا عن «لا يوصف الله تعالى بالضمير» العلاء بن [ ص: 444 ] عبد الرحمن، عن أبيه، عن وعن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عبد الله بن عمرو بن العاص «جف القلم على علم الله».
[ ص: 445 ] وأسند عن القاسم بن أبي بزة، عن عن سعيد بن جبير، أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ابن عباس «إن أول شيء خلقه الله القلم فأمره فكتب كل شيء يكون» قال: فهل جرى القلم إلا بسابق علم الله في نفسه قبل حدوث [ ص: 446 ] الخلق وأعمالهم، والله ما درى القلم بماذا يجري حتى أجراه الله بعلمه، وعلمه ما يكتب مما يكون قبل أن يكون.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: فهل كتب ذلك إلا بما علم؟ فما موضع كتابه هذا إن لم يكن علمه في دعواهم؟! وأسند الحديث الذي في صحيح «كتب الله مقادير أهل السموات والأرض قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة» عن مسلم، أبي عبد الرحمن الحبلي، عن قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عبد الله بن عمرو قال: والأحاديث عن [ ص: 447 ] النبي صلى الله عليه وسلم في الإيمان بسابق علم الله كثيرة تطول إن ذكرناها، وفيما ذكرنا من ذلك ما يبطل دعوى «كتب الله مقادير كل شيء قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة» في أغلوطته التي توهم على الله تعالى في الضمير. جهم
قلت: فهذا الكلام عن يبين أن مسمى النفس عند السلف وهو الذات، كما قال: «فنفس الله هو الله، والنفس تجمع الصفات كلها، فإذا نفيت النفس نفيت الصفات» وكذلك قوله: فأخبر عثمان بن سعيد أبو البختري أن رحمة الله في نفسه؛ لأن الصفة قائمة بالموصوف، فهذا ونحوه يبين مرادهم، وأنهم قصدوا رد ما أنكرته الجهمية من ذكر إثبات مسمى النفس لله وقيام العلم بها، كما يذكر عن ثمامة بن أشرس أنه قال: «ثلاثة من [ ص: 448 ] الأنبياء مشبهة: موسى حيث قال: إن هي إلا فتنتك [الأعراف: 155] وعيسى حيث قال: تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك [المائدة: 116] ومحمد حيث قال: وبذلك يتبين ما ذكره «ينزل ربنا كل ليلة» حيث قال: «حتى عثمان بن سعيد؛ أن رأس محنته نفي الكلام، جهم فقال: متى نفينا عنه الكلام فقد نفينا عنه جميع الصفات من النفس واليدين والوجه والسمع والبصر؛ لأن الكلام لا يثبت إلا لذي نفس ووجه ويد وسمع وبصر» وقال ادعى «كذبوا فيما نفوا عن الله من الكلام، وصدقوا فيما ادعوا أنه لا يثبت الكلام إلا لمن اجتمعت فيه هذه الصفات، وقد اجتمعت في الله عز وجل على رغم أنفسهم» فإدخاله النفس هنا في الصفات وقوله: «إن الكلام [ ص: 449 ] لا يثبت إلا لذي نفس ووجه ويد وسمع وبصر» قد يشعر ظاهره أن مسمى النفس صفة لصاحبها؛ لأنه أضافها إليهم وقرنها بالوجه واليد وليس كذلك، فإن إضافتها إليه كإضافتها في قوله: عثمان: تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك [المائدة: 116] وفي قوله: كتب ربكم على نفسه الرحمة [الأنعام: 54] وقد قال بعد هذا: «فنفس الله هي الله، والنفس تجمع جميع الصفات كلها، فإذا نفيت النفس نفيت الصفات» فهذا يبين أنه أراد الذات التي تقوم بها الصفات كالعلم القديم، كما ذكره، فينبغي أن يكون لله نفس، ويكون فيها علم، كما قال تعالى: تعلم ما في نفسي [المائدة: 116] فقوله: «إن الكلام لا يثبت إلا لذي نفس» يشبه قوله: «إلا لذي حقيقة وماهية» ونحو ذلك، لكن لفظ النفس -والله أعلم- يقتضي [ ص: 450 ] حياة المسمى بها وقيامه بنفسه بخلاف لفظ حقيقته وماهيته وذاته، فمسمى لفظ النفس أخص، وهي التي جاء بها الكتاب والسنة، ولم يجئ فيهما ذكر لفظ حقيقته ونحو ذلك في أسماء الله، ولا لفظ ذات في الأحاديث الثابتة.