وفيه فصلان: الأول: في بيان يومه، وشهره، وعامه.
الصواب: أنه صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين.
روى الإمام أحمد ومسلم عن أبي وأبو داود رضي الله عنه قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن يوم الاثنين فقال: "ذاك يوم ولدت فيه. أو قال أنزل علي فيه".
وروى يعقوب بن سفيان عن رضي الله تعالى عنهما قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبئ يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين، ورفع ابن عباس الحجر الأسود يوم الاثنين.
وفي بعض الطرق عند وأنزلت سورة المائدة يوم الاثنين: ابن عساكر: اليوم أكملت لكم دينكم وكانت وقعة بدر يوم الاثنين.
قال : المحفوظ أن وقعة ابن عساكر بدر ونزول: اليوم أكملت لكم دينكم يوم الجمعة.
وروى الزبير بن بكار عن وابن عساكر معروف بن خربوذ رحمه الله تعالى قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين حين طلع الفجر.
وقال الحافظ أبو الفضل العراقي في المورد: الصواب أنه صلى الله عليه وسلم ولد في النهار، وهو الذي ذكره أهل السير. وحديث أبي مصرح به. قتادة
وروى الأربعة عن رحمه الله تعالى قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إبهار النهار، وجزم به سعيد بن المسيب وصححه ابن دحية، الزركشي رحمه الله تعالى في شرح البردة ولبعضهم في ذلك.
يا ساعة فتح الهدى أرفادها لطفا وقد منح الجزا إسعادها لاحت بشهر ربيع الزاكي الذي
فاق الشهور جلالة إذ سادها حيث النبوة أشرقت بمآثر
كالشهب لا يحصي الورى تعدادها حيث الأمانة والرسالة قد بدت
يعلي ل مكة غورها ونجادها
شعر:
يا ساعة نلنا السعادة والهنا فيها بخير العالمين محمد
تمت لنا أفراحها بظهوره وتكملت في شهر مولد أحمد
توالت أمور السعد في خير ساعة بمولد خير الرسل في ساعة السعد
فيا طيب أوقات ويا طيب مولد ويا طيب مولود حوى سائر المجد
قال السهيلي : وهو المعروف. ونقل بعضهم فيه الإجماع.
يقول لنا لسان الحال منه وقول الحق يعذب للسميع
فوجهي والزمان وشهر وضعي ربيع في ربيع في ربيع
قال رحمه الله تعالى: لاثنتي عشرة ليلة [خلت] منه ورواه ابن إسحاق في المصنف عن ابن أبي شيبة جابر قال في الغرر: وهو الذي عمل العمل. وقيل لليلتين خلتا منه وقدمه في الإشارة، وقيل لثمان. ونقل وابن عباس. عن أصحاب الزيج أنهم صححوه ورجحه أبو عمر وقال ابن دحية. الحافظ : إنه مقتضى أكثر الأخبار. وقيل: لعشر. حكاه عن الدمياطي جعفر الباقر وصححه. وقيل: لسبع عشرة. وقيل لثماني عشرة، وقيل: في أوله حين طلع الفجر.
قال رحمه الله تعالى: عام الفيل. قال ابن إسحاق ابن كثير: وهو المشهور عند الجمهور. وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ : وهو الذي لا يشك فيه أحد من [ ص: 335 ] العلماء. وبالغ البخاري خليفة بن خياط وابن الجزار وابن دحية وابن الجوزي وابن القيم فنقلوا فيه الإجماع.
وروى البيهقي في المستدرك وصححه وأقره والحاكم الذهبي في مختصره، وصححه في تاريخه الكبير عن عن يحيى بن معين، حجاج بن محمد ، عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه، عن عن سعيد بن جبير، رضي الله تعالى عنهما قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل. ابن عباس
قال الحافظ في شرح الدرر: والمحفوظ لفظ العام. وقيل: يطلق اليوم ويراد به مطلق الوقت، كما يقال يوم الفتح، ويوم بدر، فإن كان المراد حقيقة اليوم فيكون أخص من الأول وبذلك صرح في تاريخه فإنه قال: ابن حبان قال: ثم وجدت الحديث عن ولد عام الفيل في اليوم الذي بعث الله فيه الطير الأبابيل على أصحاب الفيل. عن ابن مسعود بسنده المذكور قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل يعني عام الفيل. يحيى بن معين
وروى ابن إسحاق وأبو نعيم عن والبيهقي المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قال: ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل كنا لدين.
وسأل عثمان بن عفان قباث بن أشيم الكناني ثم الليثي: يا قباث أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر مني وأنا أسن منه ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل ووقفت بي أمي على خذق الفيل أخضر محيلا.
مخرمة بفتح الميم وإسكان الخاء المعجمة. ومات على دينه. لدين: قال المشهور فيه: لدتين بالتاء يقال فلان لدة فلان إذا ولد معه في وقت واحد. قال أبو ذر الجوهري: لدة الرجل تربه والهاء عوض عن الواو الذاهبة منه، لأنه من الولادة. وهما لدان والجمع لدات ولدون. الترب بكسر التاء المثناة الفوقية وإسكان الراء وبالموحدة: من ولد معك. قباث بضم القاف ويقال بفتحها، قال الحافظ : وهو المشهور، ثم موحدة خفيفة ثم مثلثة. ابن أشيم بمعجمة وتحتانية وزان أحمد.
وعلى هذا فقيل بعد الفيل بخمسين يوما. قال ابن كثير: وهو أشهر. وصححه [ ص: 336 ] المسعودي والسهيلي . وزاد أنه الأشهر والأكثر وقيل بزيادة خمس.
وذكر أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي رحمه الله تعالى أن قدوم أصحاب الفيل مكة لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم. وقد قال ذلك غيره. وزاد يوم الأحد. وكان أول المحرم تلك السنة يوم الجمعة.
وروى ابن سعد عن وابن عساكر أبي جعفر الباقر رحمه الله تعالى قال: كان قدوم أصحاب الفيل في النصف من المحرم ومولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده بخمس وخمسين ليلة.
وصحح الحافظ الدمياطي هذا القول. وقيل بأربعين يوما. وقيل بشهر وستة أيام. وقيل بعشر سنين. وقيل بثلاثين عاما. وقيل بأربعين عاما. وقيل بسبعين عاما.
وقيل لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين من غزوة أصحاب الفيل.
وقيل في صفر. وقيل في ربيع الآخر. وقيل في المحرم لخمس بقين منه. وقيل في عاشوراء.
قال السهيلي رحمه الله تعالى: أهل الحساب يقولون وافق مولده من الشهور الشمسية نيسان، وكان لعشرين مضت منه.
وقال الذهبي في تاريخ الإسلام: نظرت في أن يكون صلى الله عليه وسلم ولد في ربيع وأن يكون ذلك في العشرين من نيسان فرأيته بعيدا من الحساب يستحيل أن يكون مولده في نيسان إلا أن يكون مولده في رمضان.
وقال الإمام رحمه الله تعالى: وافق شهر ربيع من شهور أبو الحسن الماوردي الروم العشرين من شباط. انتهى. ويقال: شباط بالإعجام والإهمال.
قال رحمه الله تعالى: في برج الحمل. قال في النور: وهذا يحتمل أن يكون في أوائل نيسان وأن يكون في آذار. ثم قال الدمياطي السهيلي . وولد بالغفر من المنازل وهو مولد النبيين، ولذا قيل:
خير منزلتين كانت في الأبد هو ما بين الزباني والأسد
قال أبو عبد الله بن الحاج رحمه الله تعالى في المدخل: فإن قال قائل: ما على الصحيح المشهور عند أكثر العلماء، ولم يكن في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وفيه ليلة القدر، واختص بفضائل عدة، ولا في الأشهر الحرم التي جعل الله لها الحرمة يوم خلق السماوات والأرض، ولا في ليلة النصف من شعبان، ولا في يوم الجمعة ولا في ليلتها؟ الحكمة في كونه صلى الله عليه وسلم خص مولده بشهر ربيع وبيوم الاثنين
فالجواب من أربعة أوجه: الأول: ما ورد في الحديث من أن الله تعالى خلق الشجر يوم الاثنين. وفي ذلك تنبيه عظيم وهو أن خلق الأقوات والأرزاق والفواكه والخيرات التي يمتد بها بنو آدم ويحيون ويتداوون وتنشرح صدورهم لرؤيتها وتطيب بها نفوسهم وتسكن خواطرهم عند رؤيتها لاطمئنان نفوسهم لتحصيل ما يبقي حياتهم، على ما جرت به حكمة الحكيم سبحانه وتعالى.
فوجوده صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر في هذا اليوم قرة عين بسبب ما وجد من الخير العظيم والبركة الشاملة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثاني: أن ظهوره صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع فيه إشارة ظاهرة لمن تفطن لها بالنسبة إلى اشتقاق لفظة ربيع إذ أن فيه تفاؤلا حسنا وبشارة لأمته صلى الله عليه وسلم.
وقد قال الشيخ الإمام أبو عبد الرحمن الصقلي رحمه الله تعالى: لكل إنسان من اسمه نصيب. هذا في الأشخاص وكذلك في غيرها، وإذا كان كذلك ففصل الربيع فيه تنشق الأرض عما في باطنها من نعم المولى سبحانه وتعالى وأرزاقه التي بها قوام العباد وحياتهم ومعايشهم وصلاح أحوالهم، فتنفلق الحبة والنوى وأنواع النبات والأقوات المقدرة فيها، فتبهج الناظر عند رؤيتها وتبشره بلسان حالها بقدوم ينعها. وفي ذلك إشارة عظيمة إلى الاستبشار بابتداء نعم المولى سبحانه وتعالى، ألا ترى أنك إذا دخلت إلى البستان في مثل هذه الأيام تنظر إليه كأنه يضحك لك، وتجد زهرة كأن لسان حاله يخبرك بما لك من الأرزاق المدخرة والفواكه. وكذلك الأرض إذا أبهج نوارها كأنه يحدثك بلسان حاله كذلك أيضا.
فمولده صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع فيه من الإشارات ما تقدم ذكر بعضه. وذلك إشارة ظاهرة من المولى تبارك وتعالى إلى التنويه بعظيم قدر هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وإنه رحمة للعالمين. وبشرى للمؤمنين. وحماية لهم من المهالك والمخاوف في الدارين وحماية للكافرين بتأخير [ ص: 338 ] العذاب عنهم لأجله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم فوقعت البركات وإدرار الأرزاق والأقوات. ومن أعظمها منته على عباده لهدايته عليه الصلاة والسلام لهم إلى صراط الله المستقيم.
الوجه الثالث: ما في شريعته صلى الله عليه وسلم من شبه الحال، ألا ترى أن فصل الربيع أعدل الفصول وأحسنها إذ ليس فيه برد مزعج ولا حر مقلق، وليس في ليله ولا نهاره طول خارق، بل كله معتدل وفصله سالم من العلل والأمراض والعوارض التي يتوقعها الناس في أبدانهم في زمان الخريف، بل الناس فيه تنتعش قواهم وتنصلح أمزجتهم وتنشرح صدورهم لأن الأبدان يدركها فيه من أمداد القوة ما يدرك النبات حين خروجه، إذ منها خلقوا، فيطيب ليلهم للقيام ونهارهم للصيام، لما تقدم من اعتداله في الطول والقصر والحر والبرد، فكان في ذلك شبه الحال بالشريعة السمحة التي جاء بها صلوات الله وسلامه عليه من رفع الإصر والأغلال التي كانت على من قبلنا.
الوجه الرابع: أنه قد شاء الحكيم سبحانه وتعالى أنه صلى الله عليه وسلم تتشرف به الأزمنة والأمكنة لا هو يتشرف بها، بل يحصل للزمان أو المكان الذي يباشره عليه الصلاة والسلام الفضيلة العظمى والمزية على ما سواه من جنسه إلا ما استثني من ذلك لأجل زيادة الأعمال فيها وغير ذلك، فلو ولد صلى الله عليه وسلم في الأوقات المتقدم ذكرها لكان قد يتوهم أنه يتشرف بها فجعل الحكيم جل جلاله مولده صلى الله عليه وسلم في غيرها ليظهر عظيم عنايته سبحانه وتعالى وكرامته عليه.
الفصل الثاني: في مكانه: بمكة أو غيرها؟ والصحيح الذي عليه الجمهور هو الأول. اختلف: هل ولد
وعليه فاختلف في مكانه من مكة على أقوال: أحدها: في الدار التي في الزقاق المعروف بزقاق المولد في شعب مشهور بشعب بني هاشم . وكانت بيد عقيل. قال رحمه الله تعالى: قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبها ابن الأثير فلم تزل بيده حتى توفي عنها فباعها ولده من عقيل بن أبي طالب محمد بن يوسف أخي الحجاج، وقيل إن عقيلا باعها بعد الهجرة تبعا لقريش حين باعوا دور المهاجرين.
الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم ولد في شعب بني هاشم . حكاه الزبير.
الثالث: أنه ولد صلى الله عليه وسلم بالردم.
الرابع: بعسفان.
[ ص: 339 ]