الباب الخامس في إخبار الأحبار وغيرهم بليلة ولادته صلى الله عليه وسلم
روى أبو نعيم عن والبيهقي رضي الله تعالى عنه قال: إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان أعقل ما رأيت وسمعت إذا يهودي يصرخ ذات غداة على أطمه: يا معشر حسان بن ثابت يهود. فاجتمعوا إليه وأنا أسمع. قالوا: ويلك ما بك؟ قال: طلع نجم أحمد الذي ولد به في هذه الليلة.
يفعة بفتح الفاء والعين المهملة أي شاب. أطمه: بالإضافة للضمير والأطم بضم الهمزة والطاء المهملة: الحصن ويروى على أطمة بتاء تأنيث على معنى البقعة.
وروى ابن سعد والحاكم بسند حسن في الفتح عن وأبو نعيم رضي الله عنها قالت: كان يهودي قد سكن عائشة مكة يتجر بها، فلما كانت تلك الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مجلس من قريش: يا معشر قريش، هل ولد فيكم الليلة مولود؟ فقال القوم: والله ما نعلمه. قال: احفظوا ما أقول لكم: ولد هذه الليلة نبي هذه الأمة الأخيرة، بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس، لا يرضع ليلتين. فتصدع القوم من مجلسهم وهم يتعجبون من قوله: فلما صاروا إلى منازلهم أخبر كل إنسان منهم أهله فقالوا: لقد ولد الليلة لعبد الله بن عبد المطلب غلام سموه محمدا. فالتقى القوم حتى جاءوا اليهودي فأخبروه الخبر. قال: اذهبوا معي حتى أنظر إليه فخرجوا حتى أدخلوه على آمنة فقالوا: أخرجي إلينا ابنك. فأخرجته وكشفوا له عن ظهره فرأى تلك الشامة، فوقع مغشيا عليه فلما أفاق قالوا: ويلك ما لك؟ قال: والله ذهبت النبوة من بني إسرائيل، أفرحتم به يا معشر قريش والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق إلى المغرب.
متواترات أي متتابعات أو متفرقات.
وروى ابن سعد عن رضي الله تعالى عنهما قال: كانت يهود ابن عباس قريظة والنضير وفدك وخيبر يجدون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث وأن دار هجرته المدينة، فلما ولد قالت أحبار يهود ولد الليلة ، هذا الكوكب قد طلع. فلما تنبأ قالوا تنبأ أحمد . كانوا يعرفون ذلك ويقرون به ويصفونه إلا الحسد والبغي. أحمد
وروى أبو نعيم من طريق وابن عساكر المسيب بن شريك عن محمد بن شريك عن شعيب بن شعيب، عن أبيه عن جده، قال: كان بمر الظهران راهب من أهل الشام يدعى [ ص: 340 ] عيص، وكان قد آتاه الله علما كثيرا، وكان يلزم صومعة له ويدخل مكة فيلقى الناس ويقول: يوشك أن يولد فيكم مولود يا أهل مكة تدين له العرب ويملك العجم هذا زمانه، فمن أدركه واتبعه أصاب حاجته، ومن أدركه وخالفه أخطأ حاجته، وبالله ما تركت أرض الخمر والخمير والأمن وحللت أرض البؤس والخوف إلا في طلبه. فكان لا يولد بمكة مولود إلا يسأل عنه فيقول: ما جاء بعد. فلما كان صبيحة اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عبد المطلب حتى أتى عيص فوقف على أصل صومعته فناداه فقال: من هذا؟ فقال: أنا عبد المطلب. فأشرف عليه فقال: كن أباه فقد ولد ذلك المولود الذي كنت أحدثكم عنه يوم الاثنين ويبعث يوم الاثنين وإن نجمه طلع البارحة، وآية ذلك أنه الآن وجع فيشتكي ثلاثا ثم يعافى، فاحفظ لسانك فإنه لم يحسد حسده أحد، ولم يبغ على أحد كما يبغى عليه. قال: فما عمره؟ قال: إن طال عمره لم يبلغ السبعين يموت في وتر دونها في الستين في إحدى وستين أو ثلاث وستين.
[ ص: 341 ]