النضر: بفتح النون وإسكان الضاد المعجمة ثم راء واسمه قيس، ولقب النضر لنضارة وجهه وجماله، منقول من النضر اسم للذهب الأحمر، ويكنى أبا يخلد بمثناة تحتية مفتوحة فخاء معجمة فلام مضمومة فدال مهملة.
وله من الذكور: مالك ويخلد. وبه كان يكنى، والصلت وأمه برة بنت مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر . قال السهيلي : خلف عليها كنانة بعد أبيه فولدت له النضر بن كنانة وكان ذلك مباحا في الجاهلية بشرع متقدم ولم يكن من المحرمات التي انتهكوها ولا من العظائم التي ابتدعوها، لأنه أمر كان في عمود النسب. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أنا من نكاح لا من سفاح".
وكذلك قال تعالى: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف أي ما قد سلف من تحليل ذلك قبل الإسلام وفائدة الاستثناء أنه لا يعاب نسب النبي صلى الله عليه وسلم، وليعلمه أنه لم يكن في أجداده من كان لغية ولا من سفاح، ألا ترى أنه لم يقل لشيء نهى عنه في القرآن إلا ما قد سلف نحو قوله ولا تقربوا الزنى ولم يقل إلا ما قد سلف. ولا في شيء من المعاصي التي نهي عنها إلا في هذه الآية. وفي لأن الجمع بين الأختين قد كان مباحا أيضا في شرع من قبلنا، وقد جمع الجمع بين الأختين، يعقوب صلى الله عليه وسلم بين راجيل أي بالجيم وأختها ليا. فبقوله إلا ما قد سلف التفات في هذه المعنى وتنبيه على هذا المغزى وهذه النكتة تلقيتها من شيخنا الإمام الحافظ أبي بكر محمد بن العربي رحمه الله تعالى. انتهى.
وتبعه على ذلك أبو الربيع وزاد أن إلى آخره. عادة أهل الجاهلية إذا مات الرجل خلف على زوجته بعده أكبر بنيه من غيرها
قال في المورد: ولما وقفت على هذا القول أقمت مفكرا مدة، لكون برة المذكورة كانت زوجا لخزيمة بن مدركة. فتزوجها بعده ولده كنانة بن خزيمة فجاء له منها النضر ابن كنانة، وأن هذا وقع في نسب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ ص: 285 ] وروينا من طريق المدائني عن أبي الحويرث، عن رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن عباس "ما ولدني من سفاح أهل الجاهلية شيء ما ولدني إلا نكاح كنكاح أهل الإسلام"
ويقول رحمه الله تعالى إنه كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة أم فلم يجد فيها شيئا مما كان من أمر الجاهلية. ابن الكلبي
ثم رأيت أبا عثمان عمرو بن بحر الجاحظ رحمه الله تعالى قد ذكر في كتاب له سماه كتاب "الأصنام" قال فيه: وخلف كنانة بن خزيمة على زوجة أبيه بعد وفاته وهي برة بنت أد بن طابخة بن إلياس بن مضر وهي أم أسد بن الهون بن خزيمة. ولم تلد لكنانة ولدا ذكرا.
ولكن كانت بنت أخيها وهي برة بنت مر بن أد بن طابخة، أخت لجشم بن مر، عند كنانة بن خزيمة، فولدت له النضر بن كنانة. وإنما غلط كثير من الناس لما سمعوا أن كنانة خلف على زوجة أبيه، ولاتفاق اسمهما وتقارب نسبهما وقع هذا الذي عليه مشايخنا وأهل العلم بالنسب. قال: ومعاذ الله أن يكون أصاب نسب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقت نكاح.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما زلت أخرج من نكاح كنكاح الإسلام حتى خرجت من أبي وأمي"
قال: فمن اعتقد غير هذا فقد كفر وشك في هذا الخبر.
ونقل في الزهر كلام الجاحظ وفيه أن برة كانت بنت أد بن طابخة التي خلف عليها كنانة ماتت ولم تلد له فتزوج بعدها بابنة أخيها برة، فأولدها أولادا. انتهى. قال في الزهر: وهذا هو الصواب. وقال بعد ذلك في موضع آخر: وإن خلافه غلط ظاهر، لأنه مصادم
لقوله صلى الله عليه وسلم: "لم يجمع الله أبوي على سفاح قط"
وهذا سفاح بإجماع، ولا يعتقد هذا في نسبه الطاهر أحد من المسلمين. ثم قال: وهذا الذي يثلج به الصدر ويذهب به وحره ويزيل الشك ويطفئ شرره.
قلت: وما ذكره الجاحظ من النفائس التي يرحل إليها. وقد قدمنا في ما يؤيد ذلك. طهارة نسبه صلى الله عليه وسلم والسهيلي رحمه الله تعالى تبع في ذلك الزبير، والزبير كأنه تبع الكلبي، ذكر ذلك كما نقله عنه والكلبي ، البلاذري متروك، ولو نقل ذلك ثقة لم يقبل قوله [ ص: 286 ] في ذلك لبعد الزمان وعدم المشاهدة ومخالفة الأحاديث السابقة في طهارة نسبه صلى الله عليه وسلم. والكلبي
على أن جزم بأن الاستثناء في الآية إنما سيق للمبالغة في التحريم وسد الطرق إلى الإباحة لأن المعنى إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوه. فإنه لا يحل لكم غيره، من قبل أنه علق نقيض المدعى وهو إثبات الحل بالمحال وهو نكاح ما سلف، فيكون محالا، وحينئذ فعدم الحل متحقق إذ ذاك، لا سيما وقد أخبر عنه بأنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا، بخلاف الزمخشري فإنه مع ذكر الاستثناء فيه أيضا وقع مقترنا بما يدل على أن ما وقع منه قبل كان مغفورا حيث عقب بقوله تعالى: الجمع بين الأختين إن الله كان غفورا رحيما . وهذا كما في قوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
فأكد المدح بما يشبه الذم، لأن المعنى إن كان فلول السيف عيبا فهو عيب، وليست بعيب لأنها من كمال الشجاعة فإثبات العيب على هذا التقدير تعليق بمحال، كما في قوله تعالى: حتى يلج الجمل في سم الخياط وعلى هذا جرى الإمام الطيبي رحمه الله تعالى وبسط الكلام عليه، والله تعالى أعلم.