مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو ، لم تقسم وأقسم ورثته ، وكان لها ثمن العبد ، وإن لم يقسم الورثة لم يكن لهم ولا لها شيء إلا أيمان المدعى عليهم " . قتل عبد لأم ولد فلم يقسم سيدها حتى مات ، وأوصى لها بثمن العبد
قال الماوردي : وصورتها أن يدفع السيد إلى أم ولده عبدا ، فيقتل في يدها قتل لوث ، فللسيد في دفعه إليها حالتان : [ ص: 19 ] أحدهما : أن يدفعه إليها للخدمة .
والثاني : أن يدفعه إليها للتمليك ، فإن أخذها إياه ولم يملكها ، فالسيد هو الذي يقسم دونها ، كما يقسم في سائر عبيده ، فلو وصى لها بثمنه قبل قسامته فلها قيمته ، وإن كان قبل أن يستقر ملكه عليها ، صحت الوصية قبل استقرار الملك ، كما تصح وصيته بثمن نخله ونتاج ماشيته . ولا تمتنع وصيته لأم ولده ، وإن لم تصح وصيته لعبده : لأن الوصية تملك بعد موته ، وأم الولد بعد موته حرة ، وعبده مملوك ، فإن مات السيد قبل القسامة أقسم الورثة دونها ، فإن أقسموا ملكت أم الولد قيمته بالوصية إذا خرجت من الثلث ، فإن عجز الثلث عنها كانت الزيادة موقوفة على إجازة الورثة .
وإن ، ففي استحقاقها للقسامة قولان : امتنع الورثة من القسامة وأجابت أم الولد إليها
أحدهما : تستحقها ولها القسامة : لأن القيمة لها بالوصية فصارت مستحقة في حقها .
والقول الثاني : وهو الأصح ، المنصوص عليه ها هنا لا قسامة لها : لأمرين :
أحدهما : أن الأيمان على غيرها ، فصارت فيها نائبة عنهم النيابة في الأيمان لا تصح : لأن المقصود بها البينة التي لا تدخلها النيابة .
والثاني : أنها تملك بالوصية ما استقر ملك الموصى عليه . والموصي لا يملك إلا ما كان هو المقسم عليه ، أو من قام مقامه من قرابته . وأصل هذين القولين اختلاف قوليه في المفلس إذا نكل عن اليمين في دين له وأجاب غرماؤه إلى اليمين .
فإن كان السيد قد ملك أم ولده العبد حين دفعه إليها ، كان حكمها فيه حكم العبيد إذا ملكوا ، هل يملكوه بالتمليك أم لا ؟ على قولين :
أحدهما : - وهو قوله في القديم - تملك أم الولد وغيرها من العبيد إذا ملكوا .
والقول الثاني : - وبه قال في الجديد - أنها لا تملك ولا غيرها من العبيد ، وإن ملكوا ، فإن قلنا بهذا القول أنها لا تملكه وإن ملكت ، كان حكم العبد إذا قتل كحكمه فيما مضى ؛ يكون السيد هو المقسم في قتله دونها ، وإن قلنا بالأول أنها تملك إذا ملكت ، فهل تستحق القسامة أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : أنها هي المقسمة دون السيد : لاختصاصها بملكه ، فعلى هذا تصير مالكة للقيمة بالتمليك الأول .
والوجه الثاني : أن السيد هو المقسم دونها ، ولأن ملكها غير مستقر ، لما يستحقه [ ص: 20 ] السيد من استرجاعه إذا شاء . فعلى هذا : إذا أقسم السيد ، لم تملك أم الولد القيمة إلا بتمليك مستجد : لأنه ملك قد استفاده السيد بأيمانه ، وهكذا حكم سائر العبيد إذا ملكوا ، وإنما تفارقهم أم الولد في شيء واحد : وهو أن السيد إذا مات عن عبده وقد ملكه مالا ، كان لوارثه انتزاعه من يده : لبقائه على رقه . وإذا مات عن أم ولده وقد ملكها مالا ، لم يكن لوارثه انتزاعه منها بعتقها . وفي حكمها لو أعتق العبد بعد التمليك لم يسترجعه منه ، وإن كان له استرجاعه ، ولو باعه لبقائه على الرق إذا بيع ، واستقرار ملكه بالحرية إذا أعتق ، وهذا كله على قوله في القديم : إنهم يملكون إذا ملكوا . فأما على الجديد : فلا يملكون بحال مع بقاء الرق .