الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن كانوا أهل ذمة ، فقد قيل : ليس هذا نقضا للعهد . قال : وأرى إن كانوا مكرهين أو ذكروا جهالة ، فقالوا : كنا نرى إذا حملتنا طائفة من المسلمين على أخرى أن دمها يحل كقطاع الطريق ، أو لم نعلم أن من حملونا على قتاله مسلم ، لم يكن هذا نقضا للعهد ، وأخذوا بكل ما أصابوا من دم ومال ، وذلك أنهم ليسوا بمؤمنين الذين أمر الله بالإصلاح بينهم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : إذا استعان أهل البغي على قتالنا بأهل الذمة ، وأصحاب الجزية ، فإن كانوا مكرهين : لم تنتقض ذمتهم .

                                                                                                                                            وإن كانوا مختارين : فإن ادعوا جهالة ، وقالوا : ظننا أن معونتنا لبعضكم على بعض جائزة ، كما نعينكم على قطاع الطريق ، قبل منهم دعوى الجهالة ، ولم تنقض ذمتهم ، وإن لم يقبل من أهل العهد وانتقض به عهدهم . والفرق بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن عقد الذمة حق لهم علينا ، وعهد الأمان حق لنا عليهم : لأن من سأل الأمان لم يلزم إجابته ، ومن بذل الجزية لزمت إجابته .

                                                                                                                                            والثاني : أن لنا مع خوف الخيانة أن ننقض أمان أهل العهد ، وليس لنا مع خوفها أن ننقض أمان أهل الذمة حتى نتيقنها ، فافترقا .

                                                                                                                                            وإن لم يدعوا الجهالة ، لم يخل عقد ذمتهم من أحد أمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يشترط فيه عليهم أن لا يعينوا على مسلم بقتل ولا قتال ، فيكون ما خالف هذا الشرط من قتالهم لأهل العدل نقضا لأمانهم .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون عقد ذمتهم مطلقا ، لم يشترط ذلك فيه ، ففي انتقاض ذمتهم قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : قد انتقضت بالقتال ذمتهم كما انتقض به أمان أهل العهد .

                                                                                                                                            فعلى هذا : يجوز قتلهم وقتالهم مقبلين ومدبرين ، كما ذكرنا في أهل العهد .

                                                                                                                                            والقول الثاني : لا تنتقض به ذمتهم وإن انتقض به أمان أهل العهد : لقوة الذمة على العهد من وجهين : [ ص: 127 ] أحدهما : أن الذمة مؤبدة والعهد مقدر بمدة .

                                                                                                                                            والثاني : أن الذمة توجب أن نكف عنهم أنفسنا وغيرنا ، والعهد لا يوجب أن نكف عنهم غيرنا ، مع ما قدمناه من الفرق بينهما من الوجهين المتقدمين .

                                                                                                                                            فعلى هذا : يجب علينا أن نقاتلهم مقبلين ونكف عنهم مدبرين كأهل البغي ، لكن ما أصابوه من دم أو مال يؤخذون بغرمه قولا واحدا ، وإن لم يؤخذ أهل البغي بغرمه في أحد القولين : لأن قتال أهل البغي بتأويل ، وقتال أهل الذمة بغير تأويل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية