الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " فإن لم يحصن جلد مائة وغرب عاما عن بلده بالسنة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد ذكرنا أن حد البكر الجلد والتغريب ، وسمي الحد جلدا لوصوله إلى الجلد . وله حالتان : حر ، وعبد : فإن كان حرا جلد مائة ثم غرب بعد الجلد سنة . فأما الجلد فهو بسوط معتدل لا جديد ولا خلق ، ويفرق الضرب في جميع البدن : ليأخذ كل عضو حظه من الألم كما أخذ حظه من اللذة ، إلا عضوين يكف عن ضربهما ويؤمر باتقائهما : [ ص: 204 ] أحدهما : الوجه : لرواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا ضربتم فاتقوا الوجه .

                                                                                                                                            والثاني : الفرج : لأن المذاكير قاتلة . فأما الرأس فلا يلزم اتقاؤه .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : يلزم أن يتقى وهو أشبه : لأن الضرب عليه أخوف .

                                                                                                                                            وأما التغريب فيشتمل على زمان ومكان ، فأما الزمان فقد قدره الشرع بسنة تجمع اثني عشر شهرا بالأهلة . وأما المكان ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول الأكثرين من أصحاب الشافعي : إلى مسافة يوم وليلة فصاعدا : لأنه حد السفر الذي يقصر فيه ويفطر ، وسواء كان له في البلد الذي غرب إليه أهل أو لم يكن .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة : أنه يغرب إلى حيث ينطلق عليه اسم الغربة ، وتلحقه في المقام به مشقة ووحشة ، سواء قصر في مثله الصلاة أو لم تقصر : لأن المقصود بتغريبه خروجه عن أنسه بالأهل والوطن إلى وحشة الغربة والانفراد ، ولا يجوز أن يحبس في تغريبه ، إلا أن يتعرض للزنا وإفساد الناس ، فيحبس كفا عن الفساد تعزيرا مستجدا . ومئونته في غربته في بيت المال من خمس الخمس كأجرة الجلاد ، فإن أعوز بيت المال كانت في ماله كما تكون فيه أجرة مستوفي الحد منه عند الإعواز . فأما نفقته في زمان التغريب فعلى نفسه ومن كسبه ، ولا يمنع من الاكتساب ، ولا أن يسافر معه بمال يتجر به أو ينفقه . فإن أعوزه الكسب في سفره كان كسائر الفقراء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية