الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            وإذا أقر أنه زنا بامرأة فجحدت المرأة الزنا فعليه الحد دونها . [ ص: 209 ] وقال أبو حنيفة : لا حد على واحد منهما ، استدلالا بأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن فعل الرجل مع فعل المرأة وطء واحد ، فإذا سقط الحد في جنبتها بالجحود سقط في جنبته ، وإن أقر لعدم الكمال : لأن الحد لا يجب إلا في زنا كامل .

                                                                                                                                            والثاني : أن الزنا بجحودها وإقراره متردد بين وجود وعدم ، فصار شبهة فيه ، فوجب إسقاط الحد به .

                                                                                                                                            ودليلنا : أن ماعزا لما أقر بالزنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مرات ، قال : الآن أقررت أربعا . فبمن قال : بفلانة . فلم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها ولم يسألها . ولو كان إقرارها شرطا في وجوب حده وإنكارها موجبا لسقوطه ، لكف عن رجمه إلا بعد سؤالها .

                                                                                                                                            وروى سهل بن سعد الساعدي أن رجلا أقر أنه زنا بامرأة ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليها فجحدت ، فحد الرجل . وهذا نص .

                                                                                                                                            فإن قيل : إنما حده للقذف .

                                                                                                                                            قيل : حد القذف لها لا يستحق إلا بمطالبتها ، ولم ينقل أنها طالبت ، فصار محمولا على حد الزنا دون القذف .

                                                                                                                                            ومن القياس : أنه ليس في جحودها أكثر من عدم إقرارها بالزنا ، وهذا لا يوجب سقوط الحد عنه ، كالسكوت إذا لم يجحد ولم تقر . ولأن من لم يمنع سكوته من إقامة الحد على غيره ، لم يمنع منه جحوده قياسا على غيرها . ولأن جحودها لو كان مسقطا للحد عنه ، لوجب إذا كانت غائبة ألا يحد حتى تحضر : لجواز أن تجحد فيسقط الحد عنه ، وفي إجماعهم على تعجيل حده قبل قدومها وسؤالها دليل على أن إقرارها وجحودها سواء في حقه .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن استدلاله : " بأنه وطء واحد " : فهو أنه وإن كان وطئا واحدا فلا يمتنع أن يثبت حكمه في جنبة أحدهما ، وإن سقط في جنبة الآخر ، كما لو كان عاقلا ، وهي مجنونة أو كبيرا وهي صغيرة .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن أن سقوطه في جنبة أحدهما شبهة فهو : أنها شبهة في حقها دون حقه ، وذلك لا يوجب سقوط الحد عنه ، كما لو أكرهها على الزنا لم يكن سقوط الحد عنها موجبا لسقوط الحد عنه . وبنى أبو حنيفة على هذه المسألة : إذا زنا الناطق بخرساء ، [ ص: 210 ] قال أبو حنيفة : لا حد عليه ولا عليها : لأنه لا يجعل إشارتها بالزنا إقرارا ، فتصير كالجاحدة . وعندنا يجب الحد عليه وعليها إن أشارت بالإقرار ، وكذلك الأخرس إذا أشار بالإقرار بالزنا حد .

                                                                                                                                            وقد مضت هذه المسألة في كتاب " الإقرار " ، ثم يقال لأبي حنيفة : ليس في خرسها أكثر من سكوتها ، وسكوتها لا يمنع من وجوب الحد عليه ، كذلك خرسها . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية