الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ومن كان منهم سكران لم يحلف حتى يصحو . ( قال المزني ) : هذا يدل على إبطال طلاق السكران الذي لا يعقل ولا يميز " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح . إذا توجهت اليمين على سكران لم يحلف في حال سكره حتى يصحو ، لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه ربما اشتبه عليه بالسكر ما لا يستحقه .

                                                                                                                                            والثاني : أن اليمين موضوعة للزجر ، والسكران يقدم في سكره على ما يمتنع منه عند إفاقته .

                                                                                                                                            [ ص: 60 ] واختلف أصحابنا في هذا الامتناع من استحلافه ، هل هو مستحب أو واجب ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه مستحب ، فإن أحلف في حال سكره أجزأ : لأننا نجري عليه في السكر أحكام المفيق .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه واجب ، وأن الاستحلاف في حال سكره لم يجزه ، لما قدمنا من وضع اليمين للزجر ، وسكره يصد عن الانزجار .

                                                                                                                                            وأما المزني فإنه جعل منع الشافعي من استحلافه في السكر دليلا على أن طلاق السكران لا يقع ، فيلزمه حكم الشافعي بوقوع طلاقه وصحة ظهاره وثبوت ردته ، ومنع من إحلافه واستتابته من ردته حتى يفيق ، فاختلف أصحابنا في ذلك على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يجري عليه في جميعها أحكام الصاحي فيما له وفيما عليه مما ضره أو نفعه ، وهو الظاهر من قول أبي إسحاق المروزي ، ويحمل منعه من إحلافه واستتابته على الاستحباب دون الوجوب ، وأنه إن حلف وتاب صحت أيمانه وتوبته كالمفيق . فعلى هذا : لا دليل للمزني فيه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة : أنه يجري عليه أحكام الصاحي فيما عليه مما يضره ، ولا يجري عليه أحكام الصاحي فيما له مما ينفعه : لأن السكر معصية توجب التغليظ ، فاختص بلزوم أغلظ الحكمين وسقوط أخفهما . فعلى هذا : لا دليل للمزني فيه : لأن وقوع الطلاق تغليظ ، وصحة الأيمان تخفيف . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية