الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ومتى رجع ترك ، وقع به بعض الحد أو لم يقع " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا رجع المقر بالزنا عن إقراره ، قبل رجوعه وسقط الحد عنه . وبه قال أبو حنيفة وأكثر الفقهاء ، سواء وقع به بعض الحد أو لم يقع .

                                                                                                                                            وقال الحسن البصري ، وسعيد بن جبير ، ومالك في إحدى الروايتين عنه ، وداود بن علي : لا يقبل رجوعه ولا يسقط عنه الحد ، سواء وقع به الحد أو لم يقع .

                                                                                                                                            وقال بعض العراقيين : يقبل رجوعه قبل الشروع في حده ، ولا يقبل بعد الشروع فيه ، استدلالا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله ، فإنه من يبد لنا صفحته نقم حد الله عليه فدل على أن لا تأثير للرجوع بعد إبداء الصفحة .

                                                                                                                                            قالوا : ولأنه حق ثبت بإقراره ، فوجب أن لا يسقط برجوعه قياسا على حقوق الآدميين .

                                                                                                                                            ودليلنا : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادرءوا الحدود بالشبهات ورجوعه شبهة : لاحتمال صدقه . ولأن ماعزا لما هرب من حر الأحجار وتبعوه حتى قتلوه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه " . فلو لم يكن لرجوعه تأثير لم يندب إلى تركه بعد الأمر برجمه .

                                                                                                                                            وروي أن رجلا أقر عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالزنا ثم رجع عنه ، فتركه وقال : لأن أترك حدا بالشبهة أولى من أن أقيم حدا بالشبهة . ووافق أبا بكر رضي الله عنه على مثل هذا ، وليس لهما في الصحابة مخالف ، فكان إجماعا . ولأنه حد لله تعالى ثبت بقوله ، فجاز أن يسقط برجوعه كالردة ، ولأن ما ثبت من حدود الله تعالى بالقول يجب أن يسقط بالقول قياسا على رجوع الشهود . [ ص: 211 ] فأما الجواب عن الخبر في " إبداء الصفحة " : فالراجع غير مبد لصفحته ، وإنما يكون مبدئا إذا قام على إقراره .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قياسهم على حقوق الآدميين : فمن وجهين : هما فرق يمنع من صحة الجمع :

                                                                                                                                            أحدهما : أن حقوق الله تعالى تدرأ بالشبهات وحقوق الآدميين لا تدرأ بها .

                                                                                                                                            والثاني : هو أن عليه في حقوق الآدميين أن يقر بها ، وكذلك لم يقبل رجوعه فيها ، ولا يجب عليه في حقوق الله تعالى إلا التوبة منها ، وهو مندوب إلى أن لا يقر بها ، فلذلك قبل رجوعه فيها .

                                                                                                                                            وروى محمد بن المنكدر ، عن ابن هزال ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ويحك يا هزال ، لو سترته بثوبك كان خيرا لك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية