مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو شهدا على رجلين أنهما قتلاه ، وشهد الآخران على الشاهدين الأولين أنهما قتلاه ، وكانت شهادتهما في مقام واحد ، فإن صدقهما ولي الدم معا ، أبطلت الشهادة ، وإن صدق اللذين شهدا أولا ، قبلت شهادتهما ، وجعلت الآخرين دافعين بشهادتهما ، وإن صدق اللذين شهدا آخرا أبطلت شهادتهما : لأنهما يدفعان بشهادتهما ما شهد به عليهما " .
قال الماوردي : وهذه المسألة مصورة في ، وقد اختلف أصحابنا في كيفية سماعها قبل الدعوى على ثلاثة أوجه : سماع الشهادة على القتل قبل دعوى الولي
أحدها : أنها تسمع قبل الدعوى ، إذا كان الولي طفلا أو غائبا ، ولا يجوز سماعها إذا كان بالغا حاضرا . [ ص: 76 ] والوجه الثاني : أنها تسمع قبل الدعوى ، إذا لم يعرف الولي شهوده ، ولا تسمع إذا عرفهم بعد الدعوى .
والوجه الثالث : وهو قول أبي إسحاق المروزي وأبي علي بن أبي هريرة والجمهور : أنها تسمع قبل الدعوى في الدماء خاصة ، ولا تسمع في غير الدماء ، إلا بعد الدعوى ، والفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : لتغليظ الدماء على غيرها من الحقوق .
والثاني : أنها من حقوق المقتول يقضي منها ديونه ، وتنفذ منها وصاياه ، فجاز للحاكم أن ينوب عنه في سماع الشهادة قبل دعوى أوليائه ، ويجيء على هذا التعليل أن يسمعها في ديون الميت ، ولا يسمعها في ديون الحي ، وعلى التعليل الأول : لا يسمعها في ديون حي ، ولا ميت . وعلى هذا الترتيب يتأول اختلاف الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أنها محمولة على ما يشهد فيه قبل سماع الدعوى . خير الشهداء من شهد قبل أن يستشهد
وما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : شر الشهداء من شهد قبل أن يستشهد محمولة على ما لا يشهد فيه إلا بعد سماع الدعوى .