قال الماوردي : وأصل هذا : قول الله تعالى : فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله [ الحجرات : 9 ] .
فكان قوله : فقاتلوا يتضمن الأمر بقتالهم لا بقتلهم .
وقوله : حتى تفيء إلى أمر الله هو الغاية في إباحة قتالهم .
والفيئة في كلامهم : الرجوع ، وهو على ثلاثة أضرب تتفق أحكامها وإن اختلفت أنواعها :
أحدها : أن يرجعوا إلى طاعة الإمام والانقياد لأمره ، فهو غاية ما أريد منهم ، وقد خرجوا به من البغي اسما وحكما ، وصاروا داخلين في أحكام أهل العدل .
والضرب الثاني : أن يلقوا سلاحهم مستسلمين ، فالواجب الكف عنهم : لأن الله تعالى أمر بقتالهم لا بقتلهم ، وخالفوا أهل الحرب إذا ألقوا سلاحهم في جواز قتلهم : لأن الأمر في أهل الحرب متوجه إلى قتلهم ، وفي أهل البغي إلى قتالهم .
والضرب الثالث : أن يولوا منهزمين فيجب الكف عنهم ، ولا يتبعوا بعد هزيمتهم .
فقد نادى منادي علي يوم الجمل : ألا لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح ، وروى جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين ، عليهم السلام قال : دخل علي [ ص: 116 ] مروان فقال لي : ما رأيت أكرم غلبة من أبيك ، ما كان إلا أن ولينا يوم الجمل حتى نادى مناديه : ألا لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح .
ولما ولى الزبير عن القتال وخرج عن الصف ، قال علي : أفرجوا للشيخ فإنه محرم ، فمضى وتبعه عمرو بن جرموز حتى ظفر باغتياله فقتله بوادي السباع ، وأتى عليا برأسه ، فقال علي : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بشر قاتل ابن صفية بالنار . فقال عمرو : أف لكم إن كنا معكم أو عليكم في النار ، فقام وهو يقول :
أتيت  عليا   برأس  الزبير   وكنت أظن بها زلفتي      فبشر بالنار قبل الوعيد  
وبئس بشارة ذي التحفة  
أعزز علي أبا محمد أن أراك مجدلا تحت نجوم السماء ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، شفيت غيظي وقتلت معشري ، إلى الله أشكو عجري وبجري ، ثم أنشأ يقول :
فتى كان يعطي السيف في الروع حقه      إذا ثوب الداعي ويشقى به الجور  
فتى كان يدنيه الغنى من صديقه      إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					