مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " ولو قتلوا واليهم أو غيره قبل أن ينصبوا إماما أو يظهروا حكما مخالفا لحكم الإمام ، كان عليهم في ذلك القصاص ، قد سلموا وأطاعوا واليا عليهم من قبل علي ثم قتلوه ، فأرسل إليهم علي رضي الله عنه أن ادفعوا إلينا قاتله نقتله به ، قالوا : كلنا قتله . قال : فاستسلموا نحكم عليكم . قالوا : لا . فسار إليهم فقاتلهم فأصاب أكثرهم " .
[ ص: 119 ] قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا ويتساعدوا على معتقدهم ، كانت دارهم من جملة دار أهل العدل ، تقام عليهم الحدود وتستوفى منهم الحقوق ، ولا يبدؤون بحرب ولا قتال ، ما لم يبدؤوا بالمنابذة والقتال . اجتمع الخوارج في موضع تميزوا به عن أهل العدل ، ولم يخرجوا عن طاعة الإمام ، وقصدوا بالاعتزال أن ينفردوا عن مخالفهم
فإن قتلوا عاملهم الوالي عليهم من قبل الإمام أو غيره من أعوان الإمام ، ثم أظهروا خلع الإمام ونابذوه ، أجرى الإمام عليهم القصاص ولم يسقط عنهم بما أظهروا بعد القتل من الخلع والمنابذة ، وكذلك ما استهلكوه من الأموال كانوا مأخوذين بضمانه .
فقد ولى علي بن أبي طالب عليه السلام على النهروان عامله عبد الله بن خباب بن الأرت ، وقد اعتزلوه ، فكان ناظرا فيهم كنظره في أهل العدل ، إلى أن وثبوا عليه ، وقالوا : ما تقول في الشيخين أبي بكر وعمر ؟
فقال : ما أقول في خليفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمامي المسلمين .
قالوا : ما تقول في عثمان ؟
فقال : في الست الأوائل خيرا . وأمسك عن الست الأواخر .
فقالوا : ما تقول في علي بن أبي طالب .
فقال : أمير المؤمنين وسيد المتقين .
فعمدوا إليه فذبحوه ، فراسلهم علي أن سلموا إلي قاتله أحكم فيه بحكم الله . قالوا : كلنا قتله .
قال : فاستسلموا لحكم الله ، وسار إليهم ، فقتل أكثرهم . فدل هذا من فعله على أمرين :
أحدهما : جواز إقرارهم وإن اعتزلوا ما كانوا متظاهرين بالطاعة .
والثاني : وجوب القصاص عليهم ، وأنه لا يسقط عنهم بخلع الطاعة .
فأما من قتلوه بعد خلع الطاعة وإظهار المنابذة ، ففي ضمانه عليهم قولان كغيرهم من أهل البغي .