فصل :
فإذا ثبت أن قتلهم بعد الإسار محظور ، فهم ضربان :
أحدهما : أن يكونوا من أهل الجهاد أحرارا بالغين ، فيدعوا إلى البيعة على الطاعة ، فإن أجابوا إليها وبايعوا الإمام عليها ، أطلقوا ولم يجز حبسهم ، ولم يلزم أخذ رهائنهم ولا إقامة كفلائهم ، ووكلوا إلى ما تظاهروا به من الطاعة ، ولم يستكشفوا عن ضمائرهم .
وإن امتنعوا من بيعة الإمام على طاعته ، حبسوا إلى انجلاء الحرب . واختلف أصحابنا في علة حبسهم على وجهين :
أحدهما : أن العلة في حبسهم امتناعهم من وجوب البيعة عليهم ، ومن امتنع من واجب عليه حبس به كالديون . وهذا قول أبي إسحاق المروزي .
فعلى هذا : يكون حبسهم واجبا على الإمام ، وهو مقتضى قول الشافعي في القديم : لأنه قال فيه : يحبسون .
والوجه الثاني : أن العلة في حبسهم أن تضعف مقاتلة البغاة بهم ، وهذا أصح التعليلين .
[ ص: 122 ] لأنهم لو حبسوا لوجوب البيعة لما جاز إطلاقهم بعد انجلاء الحرب إلا بها .
فعلى هذا : يكون حبسهم موكولا إلى رأي الإمام واجتهاده ، وهو مقتضى قول الشافعي في الجديد : لأنه قال فيه : رجوت أن يسع .
والضرب الثاني : أن يكون ، فلا يجوز حبسهم على البيعة : لأنه لا بيعة على النساء والعبيد إلا في الإسلام دون الجهاد ، لوجوب الإسلام عليهم وسقوط الجهاد عنهم . والصبيان لا بيعة عليهم في الإسلام ولا في الجهاد ، وهذا معنى قول الأسرى من غير أهل الجهاد كالنساء والعبيد والصبيان الشافعي : ويختلفون في الإسار .
فإذا لم يجز حبسهم على البيعة ، فقد اختلف أصحابنا في جواز حبسهم لإضعاف البغاة على وجهين ، بناء على اختلاف العلتين في حبس أهل الجهاد منهم : أحدهما : لا يحبسون إذا قيل : إن علة حبسهم وجوب البيعة عليهم .
والوجه الثاني : يحبسون إذا قيل : إن علة حبسهم إضعاف البغاة بهم .