مسألة : قال الشافعي : " فإن لم يحصن جلد مائة وغرب عاما عن بلده بالسنة " .
قال الماوردي : قد ذكرنا أن الجلد والتغريب ، وسمي الحد جلدا لوصوله إلى حد البكر : حر ، وعبد : فإن كان حرا جلد مائة ثم غرب بعد الجلد سنة . فأما الجلد فهو بسوط معتدل لا جديد ولا خلق ، ويفرق الضرب في جميع البدن : ليأخذ كل عضو حظه من الألم كما أخذ حظه من اللذة ، إلا عضوين يكف عن ضربهما ويؤمر باتقائهما : [ ص: 204 ] أحدهما : الوجه : لرواية الجلد . وله حالتان أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : . إذا ضربتم فاتقوا الوجه
والثاني : الفرج : لأن المذاكير قاتلة . فأما الرأس فلا يلزم اتقاؤه .
وقال أبو حنيفة : يلزم أن يتقى وهو أشبه : لأن الضرب عليه أخوف .
وأما التغريب فيشتمل على زمان ومكان ، فأما الزمان فقد قدره الشرع بسنة تجمع اثني عشر شهرا بالأهلة . وأما المكان ففيه وجهان :
أحدهما : وهو قول الأكثرين من أصحاب الشافعي : إلى مسافة يوم وليلة فصاعدا : لأنه حد السفر الذي يقصر فيه ويفطر ، وسواء كان له في البلد الذي غرب إليه أهل أو لم يكن .
والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة : أنه يغرب إلى حيث ينطلق عليه اسم الغربة ، وتلحقه في المقام به مشقة ووحشة ، سواء قصر في مثله الصلاة أو لم تقصر : لأن المقصود بتغريبه خروجه عن أنسه بالأهل والوطن إلى وحشة الغربة والانفراد ، ولا يجوز أن يحبس في تغريبه ، إلا أن يتعرض للزنا وإفساد الناس ، فيحبس كفا عن الفساد تعزيرا مستجدا . ومئونته في غربته في بيت المال من خمس الخمس كأجرة الجلاد ، فإن أعوز بيت المال كانت في ماله كما تكون فيه أجرة مستوفي الحد منه عند الإعواز . فأما نفقته في زمان التغريب فعلى نفسه ومن كسبه ، ولا يمنع من الاكتساب ، ولا أن يسافر معه بمال يتجر به أو ينفقه . فإن أعوزه الكسب في سفره كان كسائر الفقراء .