مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " ويحد الرجل أمته إذا زنت : لقول النبي صلى الله عليه وسلم : . إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها
قال الماوردي : وهذا كما قال ، يجوز للسيد ، وهو قول الأكثرين . وقال إقامة الحدود على عبيده وإمائه أبو حنيفة : لا يجوز للسيد أن يتولاه ، والإمام أحق بإقامته .
وقال مالك : لا يجوز أن يتولى السيد حد أمته إذا كانت ذات زوج ، ويجوز أن يتولاه في العبد والأمة غير ذات الزوج .
واستدلوا بأنه من حدود الله تعالى فوجب أن يكون الأئمة أحق بإقامته ، قياسا على حد الحر : ولأن من لا يملك إقامة الحد على الحر لم يملك إقامته على العبد كالصغير [ ص: 245 ] والمجنون ، ولأن من لا يملك إقامة الحد بالبينة ، لم يملك إقامته بالإقرار كالأجنبي ، ولأنه حد لا يملك السيد إقامته عليه بعد عتقه ، فلم يملك إقامته عليه في حال رقه كالقطع في السرقة .
ودليلنا : رواية علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وهذا نص . أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم
فإن قيل : يعني بإذن الإمام . ففيه وجهان :
أحدهما : إن إطلاقه يمنع من هذا التقييد .
والثاني : أنه يسقط فائدة الخبر : لأن الإمام لو أذن لغير السيد جاز .
وروى الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، قال : . جاء رجل بوليدة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : يا رسول الله إن جاريتي زنت . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجلدها خمسين ، فإن عادت فعد ، وإن عادت فعد ، وفي الرابعة : فإن عادت فبعها ولو بحبل من شعر
وروى إسماعيل بن أمية ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومعنى لا يثرب : أن لا يعير . فإن قيل : فلم نهاه عن تعييرها والتثريب عليها وهو أبلغ في الزجر ؟ فعنه جوابان : إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها ، فليجلدها الحد ولا يثرب ، فإن عادت فزنت فتبين زناها ، فليبعها ولو بعقد من شعر
أحدهما : أنه نهاه عن الاقتصار عليه دون الحد .
والثاني : أن التعيير والتثريب تعزير يسقط مع الحد .
فإن قيل : يحمل ما أمر به من الجلد على التعزير دون الحد . فعنه جوابان :
أحدهما : أن إطلاق الحد يخرج عن حكم التعزير .
والثاني : أن الحد يسقط بالتعزير ، ولأنه إجماع الصحابة .
روى حسن بن محمد أن فاطمة عليها السلام جلدت أمة لها . . . الحديث .
وروي أن عائشة رضي الله عنها قطعت جارية لها سرقت .
[ ص: 246 ] وروي أن حفصة رضي الله عنها قتلت جارية لها سحرتها .
وروى نافع أن عبد الله بن عمر قطع يد غلام له سرق . وروي أن أبا بردة جلد وليدة له زنت .
وروي أن مقرنا سأل ابن مسعود عن أمة له زنت ، فقال : اجلدها .
وروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن أبيه ، قال : كان الأنصار عند رأس الحول يخرجون من زنا من إمائهم فيجلدونهم في مجالسهم ، ولا يعرف لهم مخالف ، فثبت أنه إجماع .
ومن القياس : أن للإمام حق الولاية ، وللسيد حق الملك ، فيجمع بينهما إحدى علتين :
إحداهما : أن كل من ملك تزويجها مع اختلاف الدينين ملك حدها كالإمام .
والثانية : أن كل من ملك الإقرار عليه بجناية الخطأ في رقبته ، ملك إقامة الحد على يديه كالإمام ، ولأن تصرف السيد في عبده أعم ، وعقوده فيه أتم من الإمام المتفرد بنظر الولاية ، فكان بإقامة الحد أحق . وخالف الأجنبي الذي لا نظر له فيه ولا حق ، وخالف الحر الذي لا ولاية له إلا للإمام ، وخالف الصبي والمجنون لثبوت الولاية عليهما ، فلم تصح الولاية منهما . وسنذكر في حكم البينة والسرقة في شرح المذهب ما يكون جوابا وانفصالا .