الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            فإذا ثبت اعتبار العرف فيه فالأحراز تختلف من خمسة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : اختلاف جنس المال ونفاسته على ما بينا .

                                                                                                                                            والثاني : باختلاف البلدان ، فإن كان البلد واسع الأقطار كثير الدعار غلظت أحرازه ، وإن كان صغيرا قليل المار لا يختلط بأهله غيرهم خفت أحرازه .

                                                                                                                                            والثالث : باختلاف الزمن ، فإن كان زمان سلم ودعة خفت أحرازه ، وإن كان زمان فتنة وخوف غلظت أحرازه .

                                                                                                                                            والرابع : باختلاف السلطان ، فإن كان عادلا غليظا على أهل الفساد خفت أحرازه ، وإن كان جائرا مهملا لأهل الفساد غلظت أحرازه .

                                                                                                                                            والخامس : باختلاف الليل والنهار ، فيكون الإحراز في الليل أغلظ : لاختصاصه بأهل العبث والفساد ، فلا يمتنع فيه بكثرة الأغلاق وغلق الأبواب حتى يكون لها حارس يحرسها . وهي بالنهار أخف : لانتشار أهل الخير فيه ، ومراعاة بعضهم بعضا ، فلا تفتقر إلى حراس . وإذا جلس أرباب الأموال في دكاكينهم وأمتعتهم بارزة بين أيديهم كان ذلك حرزا لها ، وإن لم يكن في الليل حرزا .

                                                                                                                                            وجعله ذلك اعتبار شرطين : العرف ، وعدم التفريط .

                                                                                                                                            وقد فصل الشافعي الأحراز باختلاف الأحوال على حسب زمانه وعرف أهله ، وقد يتغير ذلك باختلاف الزمان وتغير العادات ، فيصير ما جعله حرزا ليس بحرز ، وما لم يجعله حرزا يصير حرزا : لأن الزمان لا يبقى على حال ، وربما انتقل من صلاح إلى فساد ، ومن فساد إلى صلاح : فلذلك تتغير أحوال الأحراز لكثرتها ، ما يكون معتبرا مع وجود أسبابه وظهور عرفه ، والله أعلم .

                                                                                                                                            [ ص: 283 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية