مسألة : قال الشافعي : " ولو أخرج السرقة فوضعها في بعض النقب ، وأخذها رجل من خارج ، لم يقطع واحد منهما " .
قال الماوردي : وصورتها : في ، فهذا على أربعة أضرب : رجلين اجتمعا على سرقة ، فنقب أحدهما وأخذ الآخر
أحدها : أن يشتركا في النقب ، ويدخل أحدهما فيأخذ السرقة ويضعها في النقب ولا يخرجها منه ، ويأتي وهو خارج النقب فليأخذها ولا يدخل البيت ، فمذهب مالك : أنهما يقطعان : لأمرين :
أحدهما : أنهما قد صارا بالتعاون كالواحد .
والثاني : لئلا يصير ذلك ذريعة إلى أخذ الأموال وإسقاط الحدود ، وهذا القول قد حكاه الحارث بن سريج بن هلال النقال عن الشافعي في القديم .
ومذهب الشافعي في الجديد وأحد قوليه في القديم : أن لا قطع على واحد منهما ، فصار في وجوب قطعها قولان :
أحدهما : وهو الأضعف ، أنهما يقطعان للمعنيين المتقدمين .
[ ص: 293 ] والثاني : وهو الأصح ، أنهما لا يقطعان : لأمرين :
أحدهما : أن الداخل إلى الحرز ما أخرجها من جميعه ، والآخذ بها من النقب لم يأخذها من حرز ، فلم يوجد في واحد منهما شروط القطع فسقط ، ولهذا قال الشعبي : اللص الظريف لا يقطع .
والثاني : أنه لو أخذها غير المعاون ، لم يقطع واحد منهما ، كذلك إذا أخذها المعاون : لأن القطع لا يجب بالمعاونة وإنما يجب بالأخذ .
والضرب الثاني : ينفرد أحدهما بالنقب ولا يدخل الحرز ، ويدخل الآخر فيخرجها ولم يشارك في النقب ، فقد اختلف أصحابنا فيها فأجراها كثير منهم مجرى الضرب الأول ، وخرج وجوب قطعهما على قولين .
وقال أبو علي بن أبي هريرة وطائفة أخرى : إنه لا قطع على واحد منهما قولا واحدا : لأن كل واحد منهما تفرد بأحد شرطي القطع .
والضرب الثالث : أن يشتركا في النقب ، فيدخل أحدهما فيأخذ السرقة ويخرجها ، فيقطع مخرجها : لأنه جمع بين هتك الحرز والإخراج ، ولا يقطع الآخر : لأنه انفرد بالنقب دون الإخراج .
والضرب الرابع : أن يحضر واحد فينقب الحرز ويخاف الطلب فيهرب ، ويأتي آخر لم يشهد النقب فيدخله حين زاغ ، ويخرج السرقة منه ، فلا قطع على ناقب الحرز لا يختلف : لأنه لم يكن منه إلا النقب الذي لا يوجب القطع . وأما الآخذ لها : فإن كان النقب قد اشتهر وظهر فلا قطع عليه : لأنه سرق مالا من غير حرز ، وإن لم يشتهر ولم يظهر ففي وجوب قطعه وجهان :
أحدهما : لا قطع : لما ذكرنا .
والوجه الثاني : يقطع اعتبارا بظاهر الحرز ، وهكذا لو عاد الذي نقب بعد هربه من الطلب في ليلة أخرى فدخل الحرز وأخرج السرقة ، فإن كان بعد ظهور النقب وانتشاره لم يقطع ، وإن كان قبل ظهوره وانتشاره ، فعلى وجهين :
أحدهما : وهو الأظهر فيه أنه يقطع .
والثاني : وهو الأظهر في غيره : أنه لا يقطع .