وقالوا هي الخمر تكنى الطلا كما الذئب يكنى أبا جعدة
والطلاء : اسم نوع منه يختص بالمطبوخ دون النيء . روى عبد الرحمن بن غنم ، عن ابن مالك الأشعري ، قال : سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول : . وسنذكر من أنواع أسمائها ما يدخل في عموم الخمر ، ويدل عليه : ما رواه ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها الشافعي ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت : . فإن قيل : الذي أسكر هو القدح الأخير الذي ظهر به السكر وهو حرام وما قبله غير مسكر ، فكان حلالا . ففيه ستة أجوبة : أحدها : أن المراد بالسكر صفة جنسه ، فانطلق على قليله وكثيره ، كما يقال في الطعام . والثاني : أن تعليق التحريم بالأخير يوجب تعليقه بالأول والأخير : لأن أول الأخير لا يسكر كأول الأول ، ثم كان أول الأخير حراما كآخره ، فكذلك الأول يجب أن يكون حراما كالأخير . والثالث : أنه ليس جزءا من أجزاء الخمر الأول ، ويجوز أن يكون هو الأخير المحرم ، وهو غير متميز ، فوجب أن يكون الكل حراما . والرابع : أن كل مقدار من الخمر يجوز أن يسكر : لأن الصغير يسكر بقليله كما يسكر الكبير بكثيره ، ومن الناس من يسكر بقليله ، ومنهم من لا يسكر بكثيره ، فصار كل شيء منه مسكرا ، فوجب أن يكون حراما . والخامس : أن لكل جزء من الخمر تأثيرا في السكر ، والقدح الأول مبدأه والقدح الأخير منتهاه ، فصار قليله وكثيره مسكرا ، فوجب أن يكون حراما ، كالضرب القاتل يكون بالسوط الأول مبدأ الألم ، والأخير غايته ، والجميع قاتل . [ ص: 393 ] والسادس : أن الأخير الذي يسكر لا يعلم أنه مسكر إلا بعد شربه ، فلم يصح تعليق التحريم به . وقد روى سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع . فقال : كل شراب أسكر فهو حرام هاشم بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : . وروى كل مسكر حرام أوله وآخره القاسم بن محمد ، عن عائشة رضي الله عنها ، وقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : . والفرق : أحد مكاييل العرب ، وهو ستة عشر رطلا . لأن لهم أربعة مكاييل : المد : وهو رطل وثلث . والقسط : وهو ضعف المد ، رطلان وثلثان . والصاع : وهو ضعف القسط خمسة أرطال وثلث . والفرق : وهو ثلاثة أضعاف الصاع ، ستة عشر رطلا . فدل هذا على تحريم القليل والكثير . ويدل عليه ما رواه ما أسكر الفرق منه ، فاللحسة منه حرام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وعلي بن أبي طالب عليه السلام ، وعبد الله بن عمر ، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، بأسانيد ثابتة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : . وروى ما أسكر كثيره فقليله حرام سعد بن أبي وقاص ، وخباب بن الأرت ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : . فإن قيل : إنما أراد بتحريم قليله الأخير الذي يظهر به السكر ، فصار هو المحرم دون ما تقدمه من الكثير الذي لم يسكر . ففيه ثلاثة أجوبة : أحدها : أن هذا تكلف تأويل يخالف الظاهر فكان مطرحا . والثاني : أن هذا الحديث يعم الخمر والنبيذ ، فلما لم يحمل على هذا التأويل في الخمر لم يجز حمله عليه في النبيذ . والثالث : أنه إذا حرم القليل كان تحريم الكثير أغلظ ، كالخمر إذا حرمت بغير سكر ، كان تحريمها بالسكر أغلظ . روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره . ويدل عليه ما روى من شرب خمرا لا تقبل له صلاة سبعة أيام ، ومن [ ص: 394 ] سكر منها لم تقبل صلاته أربعين يوما الشافعي ، عن أبي سليمان التيمي ، عن أنس بن مالك ، قال : الأنصار أسقيهم فضيخا لهم ، فأتى رجل من قبل النبي صلى الله عليه وسلم وهو مذعور ، فقلنا : ما وراءك ؟ فقال : حرمت الخمر . فقالوا لي : اكفئها . فكفأتها . قال : وهو كان خمرهم يومئذ . وروى كنت قائما على عمومة لي من الشافعي ، عن مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ، قال : كنت أسقي عمومتي أبا عبيدة بن الجراح ، وأبا طلحة الأنصاري ، وأبي بن كعب ، شرابا لهم من فضيخ وتمر ، فجاءهم آت ، فقال : إن الخمر قد حرمت . فقال أبو طلحة : يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها . قال : فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت . والفضيخ من البسر ، فجعلوه خمرا محرما . والمهراس الفأس . وروى أبو داود في سننه بإسناده ، عن أبي موسى الأشعري أنه قال : . وروى سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراب من العسل . فقال : ذلك البتع . قلت : وينبذون من الشعير والذرة . فقال : ذلك المزر . ثم قال : أخبر قومك أن كل مسكر حرام إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، أبي بردة ، عن أبيه ، قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ومعاذ إلى اليمن ، فقال : بشرا ولا تنفرا ، ويسرا ولا تعسرا ، وتطاوعا ولا تعاصيا . فقال معاذ : يا رسول الله إنك تبعثنا إلى بلاد كثير شراب أهلها فما نشرب ؟ قال : اشربوا ، ولا تشربوا مسكرا . وروى عن أحمد بن حنبل ، والحميدي في كتابهما في الأشربة ، عن مرثد بن عبد الله اليزني ، ديلم الحميري ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إنا بأرض باردة نعالج بها عملا شديدا ، وإنا نتخذ شرابا من هذا الفضيخ ، فنقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل يسكر ؟ قلت : نعم . قال : فاجتنبوه . فقلت : إن الناس غير تاركيه . قال : فإن لم يتركوه فاقتلوهم . [ ص: 395 ] وروى عن الحميدي في كتابه ، عن جابر بن عبد الله اليمن قالوا : يا رسول الله إن أرضنا أرض باردة ، وإنا نعمل بأنفسنا ، وليس لنا من ممتهن دون أنفسنا ، ولنا شراب نشربه بأرضنا يقال له المذر ، فإذا شربناه نفى عنا البرد . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسكر هو ؟ قالوا : نعم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل مسكر حرام ، وإن الله تعالى عهد إلي أن كل من شرب مسكرا أن يسقيه من طينة الخبال . قالوا : يا رسول الله وما طينة الخبال ؟ قال : عرق أهل النار ، أو عصارة أهل النار . روى أن نفرا من حبشان أهل أبو سعيد السحيتي ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : . فإن قالوا : يسمى ما يعمل من النخلة خمرا ، على طريق المجاز . لا يصح هذا : لأنه جمع بين العنبة والنخلة ، وهو من العنب خمر على الحقيقة ، فكذلك من النخلة . فإن قيل : فنحمله في العنب على الحقيقة ، وفي النخل على المجاز . قيل : لا يصح هذا على أصل الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة أبي حنيفة : لأن اللفظة الواحدة لا يجوز أن يراد بها الحقيقة والمجاز على قوله ، فلم يجز تأويله عليه ، على أن المجاز إذا وافقه عرف الشرع صار حقيقة تقدم على حقيقة اللغة إذا خالفها . وقد روى الأعمش ، عن محارب ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : وهذا نص في حقيقة الاسم دون مجازه . وروى الزبيب والتمر هي الخمر الشعبي ، عن نعمان بن بشير ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : . وهذا نص لا يعترضه تأويل ، فهذه نصوص السنة . وقد روي عن إن من العنب خمرا ، وإن من التمر خمرا ، وإن من العسل خمرا ، وإن من البسر خمرا ، وإن من الشعير خمرا الصحابة رضي الله عنهم ما يعاضدها . فمن ذلك : ما روى الشعبي ، عن عبد الله بن عمر ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة : من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير ، والخمر ما خامر العقل . [ ص: 396 ] فدل على أمرين : أحدهما : إطلاق اسم الخمر على النبيذ . والثاني : تعليل الخمر : لأنه ما خامر العقل . ومثل ذلك في الاسم : ما رواه صفوان بن محرز ، قال : سمعت أبا موسى الأشعري وهو يخطب الناس على منبر البصرة ، وهو يقول : ألا إن خمر المدينة البسر والتمر ، وخمر أهل فارس العنب ، وخمر أهل اليمن البتع ، وخمر الحبشة السكركة : وهي الأرز . ومن ذلك ما رواه الشافعي ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن السائب بن زيد ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج يصلي على جنازة ، فشم من ابنه عبيد الله رائحة شارب ، فسأله ، فقال : إني شربت الطلا . فقال : إن عبيد الله ابني شرب شرابا ، وإني سائل عنه ، فإن كان مسكرا حددته . فسأل عنه فكان مسكرا فحده . وروي أنه لما سأل عنه ، أنشد قول أبي عبيدة بن الأبرص :هي الخمر لا شك تكنى الطلا كما الذئب يكنى أبا جعدة