فصل :
، ولا إذا تقيأ مسكرا . ولا يحد برائحة المسكر من فمه
وقال مالك : أحده برائحة المسكر ، وبقيء المسكر ، استدلالا بأن ماعز : استنكهوه ، فجعل للرائحة حكما ، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في عمر بن الخطاب حد ابنه عبيد الله بالرائحة .
ولأن عثمان بن عفان رضي الله عنه حد الوليد بن عقبة بن أبي معيط في الخمر بشاهدين ، شهد أحدهما أنه شربها ، وشهد الآخر أنه تقيأها ، فقال عثمان : ما تقيأها حتى شربها .
ولأنه لما جاز أن يستدرك برائحة الخمر عند مشاهدتها فيعلم بالرائحة أنها خمر ، جاز أن تستدرك بالرائحة بعد شربها .
ودليلنا : قول الله تعالى : ولا تقف ما ليس لك به علم [ الإسراء : 34 ] وليس له بالرائحة علم متحقق ، فلم يجز أن يحكم به .
ولأنه يجوز أن يكون قد تمضمض بالخمر ثم مجها ، ولم يشربها فلم تدرك رائحتها من فمه على شربها ، ولأنه ربما أكره على شربها ، ولأن رائحة الخمر مشتركة ، يجوز أن يوجد مثلها في أكل النبق ، وبعض الفواكه فلم يقطع به عليها ، ولأن كشراب التفاح والسفرجل وربوب الفواكه . رائحة الخمر قد توجد في كثير من الأشربة المباحة
فلم يجز أن يقطع بالرائحة عليها إذا شوهدت : لأن مشاهدة جسمها ينفي عنها ظنون الاشتباه ، وفي هذا دليل وانفصال .
فأما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باستنكاه ماعز ، فلأنه رآه ثائر الشعر ، متغير اللون ، مقرا بالزنا . فاشتبهت عليه حالته في ثبات عقله أو زواله ، فأراد اختبار حاله باستنكاهه ، ولم يعلق بالاستنكاه حكما . وأما عمر رضي الله عنه : فإنه سأل ابنه حين شم منه الرائحة ، فاعترف بشرب الطلا ، فحده باعترافه .
وأما عثمان : فلأنه لما اقترن بشهادة القيء شهادة الشرب ، جاز أن يعمل عليها ، وإن كان ضعيفا .