الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            ولا يحد برائحة المسكر من فمه ، ولا إذا تقيأ مسكرا .

                                                                                                                                            وقال مالك : أحده برائحة المسكر ، وبقيء المسكر ، استدلالا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ماعز : استنكهوه ، فجعل للرائحة حكما ، ولأن عمر بن الخطاب حد ابنه عبيد الله بالرائحة .

                                                                                                                                            ولأن عثمان بن عفان رضي الله عنه حد الوليد بن عقبة بن أبي معيط في الخمر بشاهدين ، شهد أحدهما أنه شربها ، وشهد الآخر أنه تقيأها ، فقال عثمان : ما تقيأها حتى شربها .

                                                                                                                                            ولأنه لما جاز أن يستدرك برائحة الخمر عند مشاهدتها فيعلم بالرائحة أنها خمر ، جاز أن تستدرك بالرائحة بعد شربها .

                                                                                                                                            ودليلنا : قول الله تعالى : ولا تقف ما ليس لك به علم [ الإسراء : 34 ] وليس له بالرائحة علم متحقق ، فلم يجز أن يحكم به .

                                                                                                                                            ولأنه يجوز أن يكون قد تمضمض بالخمر ثم مجها ، ولم يشربها فلم تدرك رائحتها من فمه على شربها ، ولأنه ربما أكره على شربها ، ولأن رائحة الخمر مشتركة ، يجوز أن يوجد مثلها في أكل النبق ، وبعض الفواكه فلم يقطع به عليها ، ولأن رائحة الخمر قد توجد في كثير من الأشربة المباحة كشراب التفاح والسفرجل وربوب الفواكه .

                                                                                                                                            فلم يجز أن يقطع بالرائحة عليها إذا شوهدت : لأن مشاهدة جسمها ينفي عنها ظنون الاشتباه ، وفي هذا دليل وانفصال .

                                                                                                                                            فأما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باستنكاه ماعز ، فلأنه رآه ثائر الشعر ، متغير اللون ، مقرا بالزنا . فاشتبهت عليه حالته في ثبات عقله أو زواله ، فأراد اختبار حاله باستنكاهه ، ولم يعلق بالاستنكاه حكما . وأما عمر رضي الله عنه : فإنه سأل ابنه حين شم منه الرائحة ، فاعترف بشرب الطلا ، فحده باعترافه .

                                                                                                                                            وأما عثمان : فلأنه لما اقترن بشهادة القيء شهادة الشرب ، جاز أن يعمل عليها ، وإن كان ضعيفا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية