مسألة : قال الشافعي : " ولا تقام الحدود في المساجد " .
قال الماوردي : وهذا صحيح : لقول الله تعالى : في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه [ النور : 36 ] [ ص: 441 ] يريد بالبيوت : المساجد .
في قوله تعالى : أذن الله أن ترفع وجهان :
أحدهما : تعظم .
والثاني : تصان . وفي قوله : ويذكر فيها اسمه وجهان :
أحدهما : أنه التعبد له بالصلاة فيها .
والثاني : طاعته بتلاوة كتابه والعمل به ، فنبه بذلك على المنع من إقامة الحدود فيها .
وقد ورد فيه من السنة نص لرواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تقام الحدود في المساجد ، ولا يقتل بالولد الوالد .
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد ، فقال : يا أيها الناشد غيرك الواجد ، إن المساجد لم تبن لهذا ، إنما بنيت لذكر الله وللصلاة .
وروى حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستقاد في المساجد ، وأن تنشد فيها الأشعار ، وأن تقام فيها الحدود .
ويحتمل أن يريد بالأشعار ما كان هجاء ، أو غزلا ، أو مدحا كاذبا : لأن الشعر قل ما يخلو منه .
فأما ما تجرد عن ذلك من الأشعار فغير ممنوع من إنشادها فيه .
وقد أنشد كعب بن زهير قصيدته التي مدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فلم ينكر عليه ، وكذلك حسان بن ثابت .
ولأن إقامة الحدود في المساجد مؤذ للمصلين فيها : ولأن المحدود ربما نجس المسجد بدمه ، أو حدثه .
فإذا ثبت أن الحدود تقام في غير المساجد ، نظر في المحدود ، فإن كان متهافتا في ارتكاب المعاصي أظهر حده في مجامع الناس ومحافلهم : ليزداد به نكالا وارتداعا ، وإن كان من ذوي الهيئات حد في الخلوات حفظا لصيانته . وبالله التوفيق .


