مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وقلت لمن قال لا أجيز الشاهد وإن كان بصيرا حين علم حتى يعاين المشهود عليه يوم يؤديها عليه : فأنت تجيز شهادة البصير على ميت وعلى غائب في حال وهذا نظير ما أنكرت " .
قال الماوردي : وهذا أراد به أبا حنيفة في ، لم تقبل عنده شهادة بعد العمى ، وهي عند البصير إذا تحمل شهادة ثم عمي الشافعي مقبولة ، وقد قدمنا الكلام فيه لكنه عند أبي حنيفة مبني على أصل له في أن الشهادة لا تصح إلا على حاضر ، والأعمى لا يشاهد الحاضر ، فلم تصح شهادته عليه ، فناقضه الشافعي ، فقال : أنت تجيز الشهادة على الميت ، وهو غير حاضر ، فكان هذا نقضا لمذهبه ، في جواز الشهادة على الغائب وإبطالا لتعليله في رد شهادة الأعمى .
فإن قيل شروط الأداء في الشهادة أغلظ من شروط التحمل ، لأنه يجوز أن يتحملها ، وهو صغير وعبد ، وفاسق ، ولا يجوز أن يؤديها إلا بعد بلوغه وحريته وعدالته ، فلم يجز تحمل الأعمى لها ، فأولى أن لا تجوز شهادته بها .
قيل : إنما أريد البصر في حال التحمل ليقع له العلم بها ، فلم يعتبر البصر في الأداء لاستقرار العلم بها ولم يمنع الصغر والرق ، والفسق من التحمل ، وإن منع من الأداء لأنها أحوال لا تمنع من وقوع العلم بها وتمنع من نفوذ الحكم بها .