فصل : وحكى الشافعي عن المعترض عليه اعتراضا ثانيا ، فقال في الرد على الحكم بالشاهد واليمين : وكيف ؟ وهو إن حلف حلف على ما لا يعلم ؟ يحلف مع شاهده على وصية أوصى بها ميت أو أن لأبيه حقا على رجل آخر ، وهو صغير
يريد المعترض بهذا الفصل أن تكون فيما يقطع الحالف بصحته ، وأنتم تحلفونه مع شاهده فيما لا يقطع بصحته من وصية ميت له وفي دين أبيه إذا مات عنه ، وهو صغير ، وهو لا يقطع بصحة الوصية ، ولا باستحقاق الدين ؟
فأجاب الشافعي عن هذا الاعتراض برده من وجهين :
أحدهما : أنه قال للمعترض : " وأنت تجيز أن يشهد أن فلان ابن فلان ، وأبوه غائب لم ير أباه قط " ، يعني في الشاهد يشهد له بالنسب أو في الولد يحلف على نسبه ، وإن لم ير أباه ، ولا سبيل لهما إلى القطع بصحة النسب ، فلم يمتنع مثل ذلك في اليمين مع الشاهد ، لأن للحالف طريقا إلى العلم به من وجه يقع في نفسه صدقه إما من أخبار تواتر القطع بها ، وإما أخبار آحاد يقع في النفس صدقها .
والثاني : أن قال للمعترض : " وأنت تحلف ابن خمس عشرة سنة مشرقيا اشترى عبدا ابن مائة سنة مغربيا ولد قبل جده ، فباعه ، فأبق ، أنك تحلفه ، لقد باعه بريئا من الإباق على البت ، فأجابه المخالف بأن قال : " ما يجد الناس بدا من هذا " ، وهذا اعتذار من يضيق عليه الانفصال ، وليس بجواب .
[ ص: 103 ] وطرق العلم في هذا ممتنعة ، ولا يمنع من اليمين فيه على البت ، فكيف يمنع منها مع الشاهد فيما تكثر طرق العلم بصحته .
فأما مذهبنا في يمين هذا الصبي ، فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين :
أحدهما : أن يمينه على البت والقطع ، كقول العراقيين ، وإنما أورده الشافعي على وجه المعارضة دون الإنكار .
والوجه الثاني : أن يحلفه على العلم دون القطع ، فيحلف بالله لقد باعه ، ولا يعلم أنه آبق ، لأنه غاية ما يقدر عليه ، فيكون ذكر الشافعي له على وجه المعارضة ، وإنكار إحلافه على البت .