فصل : فأما الحرية وهي مسألة الكتاب . فقد ذكرنا أنها ، لأن قوله مقبول في الفتيا والأخبار وإن لم يقبل في الشهادة . شرط في قبول الشهادة ، وليست شرطا في صحة العدالة
وحريته تعلم من وجهين متفق عليهما ، وثالث مختلف فيه :
أحدهما : أن تلده حرة فيكون حر الأصل .
والثاني : أن يعتقه مالك فيصير حرا بعد الرق .
والثالث : المختلف فيه : أن يقول : أنا حر ، ففي ثبوت حريته بقوله وجهان :
أحدهما : وهو الظاهر من قول الشافعي رضي الله عنه في هذا الموضع : لا تقبل شهادته حتى يثبت عنده بخبر منه أو بينة أنه حر ، فكان ظاهر كلامه أن خبره في حريته مقبول ، لأنه لما كان قوله في إسلامه مقبولا ، لأن الظاهر من الدار إسلام أهلها ، كان قوله في حريته مقبولا . لأن الظاهر من دار الإسلام حرية أهلها .
والوجه الثاني : أن قوله في حريته غير مقبول ، وإن كان قوله في إسلامه مقبولا .
وهذا أظهر الوجهين .
[ ص: 159 ] والفرق بين الإسلام والحرية ، أنه يملك الإسلام إذا كان كافرا ، فملك الإقرار به .
ولم يملك الحرية إذا كان عبدا ، فلم يملك الإقرار بها .
ويكون معنى قول الشافعي رضي الله عنه : " إلا بخبر منه " : يعني من الحاكم : لأن يجوز للحاكم أن يعمل بعلمه في أسباب الجرح والتعديل على القولين معا .
وكان بعض أصحابه يحمل الجميع على القولين في الجرح والتعديل ، هل الحكم يعمل فيهما بعلمه أم لا ؟ على قولين :
والفرق بينهما أولى لما ذكرناه من المعنى .
فأما قول الشافعي : ولا يقبل الشاهد حتى يثبت عنده بخبر منه أو بينة تشهد أنه حر . فقد اختلف أصحابنا في مراده بنفي القبول على وجهين :
أحدهما : لا تسمع الشهادة حتى يعلم حرية الشاهد وإسلامه فيسمعها ثم يسأل عن عدالته بظهور الحرية والإسلام ، وخفاء العدالة .
والوجه الثاني : لا يحكم بها حتى يعلم حريته وإسلامه ويجوز أن يسمعها قبل العلم بحريته وإسلامه كالعدالة والله أعلم .