الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر وجوب الحكم بالقيافة في الأنساب ، إذا اشتبهت بعد الاشتراك في أسباب لحوقها ، فالكلام فيها يشتمل على أربعة فصول :

                                                                                                                                            أحدها : صفة القائف .

                                                                                                                                            والثاني : صفة القيافة .

                                                                                                                                            والثالث : الموجب لها .

                                                                                                                                            والرابع : نفوذ الحكم بها .

                                                                                                                                            فأما الفصل الأول : في صفة القائف ، فيشتمل على أربعة شروط ، يصح أن يكون بها قائفا وهو : أن يكون رجلا حرا ، عدلا ، عالما ، لأنه متردد الحال بين حكم ، وشهادة ، فاعتبرت فيه هذه الشروط الأربعة ، فإن كان امرأة أو عبدا ، أو فاسقا أو غير عالم لم يجز أن يكون قائفا ، وعلمه ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : علمه بالقيافة .

                                                                                                                                            والثاني : علمه بالفقه .

                                                                                                                                            [ ص: 387 ] فأما علمه بالقيافة ، فهو المقصود منه ، فلا بد أن يكون معتبرا فيه ومختبرا عليه ، واختباره فيه أن يجرب في غير المتنازعين ، بأن يضم ولد معروف النسب ، إلى جماعة ليس له فيهم أب ، ويقال له : من أبوه منهم ؟ ولا يقال ألحقه بأبيه منهم ، لأنه ليس له فيهم أب ، فإذا قال : ليس له فيهم أب ، ضمه ذلك الولد إلى جماعة له فيها أب ، وقيل له : ألحقه بأبيه منهم ، لأن له فيهم أبا ، فإن ألحقه بأبيه منهم ، عرف أنه عالم بالقيافة .

                                                                                                                                            وإن أخطأ في الأول فألحقه بواحد منهم ، أو أخطأ في الثاني فألحقه بغير أبيه منهم ، علم بأنه غير عالم بالقيافة ، ولا يقنع ، إذا أصاب مرة أن يجرب في ثانية ، وثالثة ، لأنه قد يجوز أن يصيب في الأولة اتفاقا ، وفي الثانية ، ظنا ، وفي الثالثة يقينا ، فإذا وثق بعلمه عمل على قوله ولا يلزم أن يختبر ثانية بعد المعرفة بعلمه .

                                                                                                                                            وأما علم الفقه فإن نزل به منزلة المخير لم يفتقر إلى علم الفقه وإن نزل منزلة الحاكم على ما سنذكره ، من الفرق بين حالتيه اعتبر فيه من علم الفقه ، ما اختص بلحوق الأنساب ، ولم يعتبر فيه العلم بجميع الفقه ، لأن اعتباره في القافة متعذرا ، ولا يلزم أن يكون في بني مدلج ، ولا من العرب ، إذا تكاملت فيه شروط القيافة ، ووهم بعض أصحابنا ، فقال : لا يصح أن يكون إلا من بني مدلج ، لاختصاصهم بعلم القيافة طبعا في خلقهم ، وهذا لا وجه له لأن مقصود القيافة قد يجوز أن يعدم في بني مدلج ، ويوجد في غير بني مدلج ، وإن كان الأغلب وجوده في بني مدلج .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية