الباب الثالث في تعقيب الإقرار بما يغيره
هو استثناء وغيره . فالثاني ينقسم إلى ما يرفعه بالكلية ، وإلى غيره ، والأول ينقسم إلى ما لا ينتظم لفظا ، فيلغو ، وإلى ما ينتظم ، فإن كان مفصولا ، لم يقبل ، وإن كان موصولا ، ففيه خلاف .
والثاني : إن كان مفصولا ، لا يقبل أيضا ، وإن كان موصولا ، ففيه خلاف بالترتيب ، هذا حاصل الباب . وإذا مرت بك مسائله عرفت من أي قبيل هي . وأما الاستثناء ، فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى ، وفيه مسائل .
[ ص: 396 ] إحداها : ، فإن وقع قوله : من ثمن خمر ، مفصولا عن قوله : له ألف ، لم يقبل ، ولزمه الألف . وإن كان موصولا ، فقولان : قال : لفلان علي ألف من ثمن خمر أو كلب أو خنزير
أحدهما : يقبل ولا يلزمه شيء ؛ لأن الكل كلام واحد ، فيعتبر جملة ولا يبعض ، فعلى هذا للمقر له تحليفه إن كان من ثمن خمر . وأظهرهما عند العراقيين وغيرهم : لا يقبل ، ويلزمه الألف ، ويبعض إقراره فيعتبر أوله ويلغى آخره ؛ لأنه وصل به ما يرفعه ، فأشبه قوله : ألف لا يلزمني . فعلى هذا لو قال المقر : كان من ثمن خمر ، وظننته يلزمني ، فله تحليف المقر له على نفيه . ويجري القولان فيما إذا وصل بإقراره ما ينتظم لفظه في العادة ، ولكنه يبطل حكمه شرعا ، بأن أضاف المقر به إلى بيع فاسد ، كالبيع بثمن مجهول ، وخيار مجهول . أو قال : تكفلت ببدن فلان بشرط الخيار ، أو ضمنت لفلان كذا بشرط الخيار ، وما أشبه ذلك ، قال الإمام : وكنت أود لو فصل فاصل بين أن يكون المقر جاهلا بأن ثمن الخمر لا يلزم ، وبين أن يكون عالما ، فيعذر الجاهل دون العالم ، لكن لم يصر إليه أحد من الأصحاب . أما إذا قدم الخمر فقال : له من ثمن خمر علي الألف ، لا يلزمه شيء قطعا بكل حال .
الثانية : ، فطريقان : قال : علي ألف من ثمن عبد لم أقبضه ، إذا سلمه سلمت الألف
أحدهما : طرد القولين . ففي قول : يقبل ولا يطالب بالألف إلا بعد تسليم العبد . وفي قول : يؤاخذ بأول الإقرار .
والطريق الثاني وهو الأصح : القطع بالقبول ؛ لأن المذكور آخرا هنا لا يرفع الأول ، بخلاف ثمن الخمر . وعلى هذا ، لو قال : علي ألف من ثمن عبد فقط ، ثم قال مفصولا عنه : لم أقبض ذلك العبد ، قبل أيضا ؛ لأنه علق الإقرار بالعبد ، والأصل عدم قبضه . ولو اقتصر على قوله : لفلان علي ألف ، ثم قال مفصولا : هو ثمن عبد لم أقبضه ، لم يقبل . ولا فرق عندنا ، بين أن يقول : علي ألف من ثمن هذا العبد ، أو من ثمن عبد .
[ ص: 397 ] الثالثة : ، ففي قبوله القولان . وقيل : لا يقبل قطعا . ولو قال : علي ألف قضيته ، قبل عند الجمهور . وقيل : على الطريقين . قال : كان لفلان علي ألف قضيته
الرابعة : ، لزمه الألف ؛ لأنه غير منتظم . قال : علي ألف لا يلزمني ، أو علي ألف أو ، لا
قلت : هكذا رأيته في نسخ من كتاب الإمام الرافعي " علي الألف أو لا " وهو غلط . وقد صرح به صاحبا " التهذيب " و " البيان " : بأنه لا يلزمه في هذه الصورة شيء ، كما لو قال : أنت طالق أو لا ، فإنه لم يجزم بالالتزام ، وما يبعد أن يكون الذي في كتاب الرافعي تصحيفا من النساخ ، أو تغييرا مما في " التهذيب " ، فقد قال في " التهذيب " : لو قال : علي ألف ، لا ، فهو إقرار ، وهذا صحيح ، وقرنه في " التهذيب " بقوله : بألف لا يلزمني ، وهو نظيره . ومعظم نقل الرافعي من " التهذيب " و " النهاية " ، وكيف كان ، فالصواب الذي يقطع به : أنه إذا قال : ألف أو ، لا ، فلا شيء عليه . والله أعلم .