الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب الدخول ( قال ) رضي الله عنه : وإذا حلف لا يدخل بيتا لفلان ، ولم يسم بيتا بعينه ، ولم يكن له نية فدخل بيتا هو فيه ساكن بأجر أو عارية ، فهو حانث عندنا ، وقال الشافعي رحمه الله تعالى : لا يحنث ; لأن الإضافة إلى فلان بالملك حقيقة وبالسكنى مجاز ، فلا تجتمع الحقيقة والمجاز في لفظ واحد ، والحقيقة مرادة بالاتفاق ، فيتنحى المجاز ، واللام في قوله لفلان دليل الملك أيضا . ( وحجتنا ) في ذلك أنه عقد يمينه على الإضافة إلى فلان ، وما يسكنه فلان عارية أو إجارة مضاف إليه بمنزلة ما يسكنه بالملك ، ألا ترى أنك تقول : بيت فلان ومنزل فلان ، وإن كان نازلا فيه بأجر أو عارية ، فكذلك مع حرف اللام { ، فإن النبي عليه الصلاة والسلام حين قال لرافع بن خديج : لمن هذا الحائط ؟ فقال : لي استأجرته } ، لم ينكر عليه إضافته إلى نفسه بحرف اللام ، ولا يقول : إنه إذا دخل بيتا هو ملك فلان أنه يحنث بحقيقة الإضافة بالملك لوجود الإضافة بالسكنى [ ص: 169 ] وحاصل هذا الكلام أنه يحنث باعتبار عموم المجاز ، وفي ذلك الملك والمستعار سواء ، كمن حلف لا يضع قدمه في دار فلان فدخلها حافيا أو متنعلا أو راكبا ، يحنث باعتبار عموم المجاز ، وهو الدخول دون حقيقة وضع القدم ، ( فإن قيل ) : كيف يكون للمجاز عموم ، والمصير إليه بطريق الضرورة ؟ ( قلنا ) : العموم للحقيقة ليس باعتبار أنه حقيقة ، بل بدليل ذلك الدليل بعينه موجود في المجاز ; وهذا لأن المجاز كالمستعار ، ويحصل بلبس الثوب المستعار دفع الحر والبرد ، كما يحصل بلبس الثوب المملوك ، ولا يقال : بأن المجاز يصار إليه للضرورة بل هو أحد قسمي الكلام ، ألا ترى أن في كتاب الله تعالى مجازا وحقيقة ، والله تعالى يتعالى أن تلحقه الضرورة ، فعرفنا أن العموم يعتبر في المجاز ، كما في الحقيقة ، وعلى هذا روي عن محمد رحمه الله تعالى أنه إذا حلف لا يدخل بيتا لفلان ، فدخل بيتا أجره فلان من غيره ، لم يحنث ; لأنه مضاف إلى المستأجر بالسكنى دون الآجر .

التالي السابق


الخدمات العلمية