الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو حلف لا يأكل إداما ولا نية له ، فالإدام الخل والزيت واللبن والزبد وأشباه ذلك مما يصطبغ الخبز به ، ويختلط [ ص: 177 ] به فأما الجبن والسمك والبيض واللحم ، فإنه ليس بإدام في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وهو الظاهر في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى ، وعلى قول محمد رحمه الله تعالى وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله تعالى في الأمالي ، وروى هشام عنه أن الجوز اليابس إدام كالجبن . وجه قول محمد رحمه الله تعالى أن الإدام ما يؤكل مع الخبز غالبا فإنه مشتق من المؤادمة ، وهو الموافقة { قال صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة : لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما } ، أي يوفق فيما يؤكل مع الخبز غالبا ، فهو موافق له فيكون إداما ، وقال صلى الله عليه وسلم { سيد إدام أهل الجنة اللحم ، وأخذ لقمة بيمينه وتمرة بشماله ، وقال : هذه إدام هذه } ، فعرفنا أن ما يوافق الخبز في الأكل ، فهو إدام ، إلا أنا خصصنا ما يؤكل غالبا وحده كالبطيخ والتمر والعنب ; لأن الإدام تبع فما يؤكل وحده غالبا لا يكون تبعا ، فأما الجبن والبيض واللحم لا يؤكل وحده غالبا فكان إداما ، ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى قال : الإدام تبع ولكن حقيقة التبعية فيما يختلط بالخبز ، ولا يحتاج إلى أن يحمل معه كالخل ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : نعم الإدام الخل } ، فما يصطبغ به فهو بهذه الصفة ، فأما اللحم والجبن والبيض يحمل مع الخبز فلا يكون إداما ، وإن كان قد يؤكل معه كالعنب ، توضيحه : أن الإدام ما لا يتأتى أكله وحده كالملح ، فإنه إدام ، والخل واللبن لا يتأتى فيه الأكل وحده ; لأن ذلك يكون شرابا لا أكلا فعرفنا أنه إدام ، فأما اللحم والجبن والبيض يتأتى الأكل فيها وحدها ، فلم تكن إداما إلا أن ينوي ذلك فتعمل نيته لما فيه من التشديد عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية