الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو دخل مسلم في دار الحرب فاشترى عبدا ثمة وأعتقه بالقول عتق بلا تخلية [ ص: 124 ] لو كان العبد مسلما فأعتقه مسلم أو حربي ) في دار الإسلام ( فولاؤه له ) أي لمعتقه . [ فروع ] .

ادعيا ولاء ميت وبرهن كل أنه أعتقه يقضى بالميراث والولاء لهما .

المولى يستحق الولاء أولا حتى تنفذ منه وصاياه وتقضى منه ديونه .

الكفاءة تعتبر في ولاء العتاقة فمعتقة التاجر كفء لمعتق العطار دون الدباغ . الأم إذا كانت حرة الأصل بمعنى عدم الرق في أصلها فلا ولاء على ولدها [ ص: 125 ] والأب إذا كان كذلك فلو عربيا لا ولاء عليه مطلقا ، ولو عجميا لا ولاء عليه لقوم الأب ويرثه معتق الأم وعصبته خلافا لأبي يوسف ، والله أعلم .

التالي السابق


( قوله : عتق بلا تخلية ) أي وكان ولاؤه له كما يفيده التعليل المار فإنه عتق بالقول لا بالتخلية ، لكن في الشرنبلالية عن البدائع أنه لا يعتق بالقول بل بالتخلية عنده ، وعند أبي يوسف يصير مولاه ا هـ وهو خلاف ما ذكره الشارح . ولم أجده في نسختي البدائع ، نعم : رأيت في الهندية معزيا إلى البدائع لو أعتق مسلم عبدا له مسلما أو ذميا في دار الحرب فولاؤه له لأن إعتاقه جائز بالإجماع ، وإن [ ص: 124 ] أعتق عبدا له حربيا في دار الحرب لا يصير مولاه عنده وعند الثاني يصير ا هـ وليس فيه أنه لا يعتق بالقول ، لأن قوله لا يصير مولاه لا يستلزم عدم العتق ، بل صرح في التتارخانية بأنه يعتق حيث قال : إذا دخل المسلم دار الحرب فاشترى حربيا وأعتقه عتق إلا أن الولاء لا يثبت منه في قولهما . وقال أبو يوسف : يثبت استحسانا وذكر نحوه الطوري عن المحيط : ثم رأيت في كتاب الإعتاق من البحر ما نصه : المسلم إذا دخل دار الحرب فاشترى عبدا حربيا فأعتقه ثمة فالقياس أنه لا يعتق بدون التخلية ، وفي الاستحسان يعتق بدونها ، ولا ولاء له عندهما قياسا وله الولاء عند أبي يوسف استحسانا ا هـ ، وبه يحصل التوفيق فتدبر . ( قوله : ولو كان العبد مسلما إلخ ) لم يستوف الأقسام .

وحاصل ما في التتارخانية لا يخلو أن يكون المعتق مسلما أو ذميا فيثبت الولاء له - وإن كان العبد ذميا - ، أما لو حربيا ففيه الخلاف المار ، ولو كان المعتق حربيا ; فإن في دار الإسلام عتق وثبت له الولاء سواء كان العبد مسلما أو ذميا أو حربيا وإن في دار الحرب ، والعبد مسلم أو ذمي فكذلك ولو حربيا لا يعتق بلا تخلية وإذا عتق فلا ولاء . ( قوله : في دار الإسلام ) مثله ما إذا كان في دار الحرب ، والمولى مسلم كما قدمناه عن الهندية . [ فرع مهم ] :

شرى حربي مستأمن عبدا فأعتقه ثم رجع إلى داره فسبي فاشتراه عبده المعتق فأعتقه كان كل منهما مولى للآخر وكذلك ذمي أو امرأة مرتدة لحقا بدار الحرب فسبيا بدائع . ( قوله : يقضى بالميراث والولاء لهما ) أي ولو كان المال في يد أحدهما إذ المقصود من هذه الدعوى الولاء ، وهما سيان ، ولم يرجح ذو اليد لأن سبب الولاء - وهو العتق - لا يتأكد بالقبض بخلاف الشراء كما في مختصر الظهيرية ، وهذا إذا لم يوقتا ولم يسبق القضاء بإحدى البينتين لما قال في البدائع : لو وقتا فالسابق أولى لأنه أثبت العتق في وقت لا ينازعه فيه أحد ، ولو كان هذا في ولاء الموالاة كان ذو الوقت الأخير أولى ، لأن ولاء الموالاة يحتمل النقض والفسخ ، فكان عقد الثاني نقضا للأول إلا أن يشهد شهود صاحب الوقت الأول أنه كان عقل عنه لأنه حينئذ لا يحتمل النقض فأشبه ولاء العتاقة وتمامه في الشرنبلالية . ( قوله : المولى ) أي المعتق ولو بكتابة أو تدبير أو استيلاد ط . ( قوله : يستحق الولاء أولا ) أي إذا مات أما لو كان حيا فلا شبهة فيه ، وهذا مكرر مع قوله فيما سبق " أو ميتا إلخ " . ( قوله : في ولاء العتاقة ) بخلاف ولاء الموالاة كما مر . ( قوله : فمعتقة التاجر إلخ ) الأنسب أن يقول : فمعتق التاجر كفء لمعتقة العطار ، ولا يكون كفئا لها معتق الدباغ لأن الكفاءة تعتبر لها لا له فليتأمل ط . ( قوله : بمعنى عدم الرق في أصلها ) أي ولا فيها أيضا وإنما فسره بذلك لأن حر الأصل يطلق أيضا على من لم يجر على نفسه رق ، سواء جرى على أصله رق أو لا وليس بمراد هنا كما حققه في الدرر ح ( قوله : فلا ولاء على ولدها ) أي وإن كان الأب معتقا لما ذكرنا أن الولد يتبع الأم في الرق والحرية ولا ولاء لأحد على أمه ، فلا ولاء على ولدها ، بدائع ، ووافقه في شرح التكملة ومختصر المحيط ومختصر المسعودي كما ذكره في الدرر قال في سكب الأنهر : هذا فرع مهم فاحفظه فإنه مزلة الأقدام ا هـ .

وفي العزمية : اعلم أن سادتنا العلماء ، الذين أفتوا بقسطنطينية المحمية بالأمر السلطاني والنصب الخاقاني من حين [ ص: 125 ] الفتح إلى عامنا هذا - وهو السادس والثلاثون بعد الألف - افترقوا فرقتين ، فذهبت فرقة منهم إلى هذا القول المنقول من البدائع كصاحب الدرر والمولى ابن كمال باشا والمولى قاضي زاده والمولى بستان زاده والمولى زكريا والمولى سعد الدين بن حسن خان والمولى صنع الله ، وذهبت فرقة منهم أخرى إلى عدم اشتراط ذلك منهم المولى سعد جلبي والمولى علي الجمالي والمولى الشهير بجوى زاده الكبير وابنه . وقد أفتى المولى أبو السعود أولا على هذا وصرح برجوعه في فتوى منه فأفتى بعده على موافقة ما في البدائع ، واستقر رأيه على ذلك إلى أن قضى نحبه جعل الله سعيهم مشكورا وعملهم مبرورا . ورأيت في شرح الوجيز ما نصه : من أمه حرة أصلية ، وأبوه رقيق لا ولاء عليه ما دام الأب رقيقا ، فإن أعتق فهل يثبت الولاء عليه لموالي الأب يحكى فيه قولان ا هـ ونحوه في المعراج . ( قوله : والأب إذا كان كذلك ) أي حر الأصل . ( قوله : فلو عربيا ) التقييد به اتفاقي ، لأنه لو كان الأب مولى عربي لا ولاء لأحد على ولده لأن حكمه حكم العربي لقول النبي صلى الله عليه وسلم { إن مولى القوم منهم } كذا في البدائع شرنبلالية ومثله في الهندية . ( قوله : مطلقا ) أي لا لقوم الأب ولا لقوم الأم لأن الولاء لجهة الأب ولا رق في جهته ح وفسر الإطلاق في العزمية بقوله أي سواء كانت أمه معتقة أو لا . ( قوله : خلافا لأبي يوسف ) أي فإنه يقول الولد يتبع الأب في الولاء كما في العربي ، لأن النسب للآباء وإن ضعف . ولهما أنه للنصرة ولا نصرة له من جهة الأب ، لأن من سوى العرب لا يتناصرون بالقبائل بدائع .

والحاصل : أن الصور خمسة ; أربعة وفاقية ، والخامسة خلافية . الأولى : حران أصليان بمعنى عدم دخول رق فيهما ولا في أصولهما فلا ولاء على أولادهما .

الثانية : معتقان أو في أصلهما معتق فالولاء لقوم الأب . الثالثة : الأب معتق أو في أصله معتق والأم حرة الأصل بذلك المعنى عربية أولى فلا ولاء لقوم الأب . الرابعة : الأم معتقة والأب حر الأصل بذلك المعنى فإن عربيا فلا ولاء لقوم الأم وإلا ، وهي الخامسة : الخلافية فعندهما لقوم الأم وعند الثاني لا ولاء عليه وتمام تحقيق المسألة في الدرر والله تعالى أعلم .




الخدمات العلمية