الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا يصلي على غير الأنبياء ولا غير الملائكة إلا بطريق التبع ) وهل يجوز الترحم على النبي ؟ قولان زيلعي . [ ص: 754 ] قلت : وفي الذخيرة أنه يكره وجوزه السيوطي تبعا لا استقلالا ، فليكن التوفيق وبالله التوفيق .

التالي السابق


( قوله ولا يصلي على غير الأنبياء إلخ ) لأن في الصلاة من التعظيم ما ليس في غيرها من الدعوات وهي زيادة الرحمة والقرب من الله تعالى ، ولا يليق ذلك بمن يتصور منه خطايا والذنوب إلا تبعا بأن يقول : اللهم صل على محمد وآله وصحبه وسلم ، لأن فيه تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم زيلعي . واختلف هل تكره تحريما أو تنزيها أو خلاف الأولى ؟ وصحح النووي في الأذكار الثاني ، لكن في خطبة شرح الأشباه للبيري من صلى على غيرهم أثم وكره وهو الصحيح وفي المستصفى : وحديث { صلى الله على آل أبي أوفى } الصلاة حقه فله أن يصلي على غيره ابتداء أما الغير فلا ا هـ . وأما السلام فنقل اللقاني في شرح جوهرة التوحيد عن الإمام الجويني أنه في معنى الصلاة ، فلا يستعمل في الغائب ولا يفرد به غير الأنبياء فلا يقال علي عليه السلام وسواء في هذا الأحياء والأموات إلا في الحاضر فيقال السلام أو سلام عليك أو عليكم وهذا مجمع عليه ا هـ .

أقول : ومن الحاضر السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، والظاهر أن العلة في منع السلام ما قاله النووي في علة منع الصلاة أن ذلك شعار أهل البدع ، ولأن ذلك مخصوص في لسان السلف بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما أن قولنا عز وجل مخصوص بالله تعالى ، فلا يقال محمد عز وجل وإن كان عزيزا جليلا ثم قال اللقاني : وقال القاضي عياض الذي ذهب إليه المحققون ، وأميل إليه ما قاله مالك وسفيان ، واختاره غير واحد من الفقهاء والمتكلمين أنه يجب تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء بالصلاة والتسليم كما يختص الله سبحانه عند ذكره بالتقديس والتنزيه ، ويذكر من سواهم بالغفران والرضا كما قال الله تعالى - رضي الله عنهم ورضوا عنه يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان - وأيضا فهو أمر لم يكن معروفا في الصدر الأول ، وإنما أحدثه الرافضة في بعض الأئمة والتشبه بأهل البدع منهي عنه فتجب مخالفتهم ا هـ .

أقول : وكراهة التشبه بأهل البدع مقررة عندنا أيضا لكن لا مطلقا بل في المذموم وفيما قصد به التشبه بهم كما قدمه الشارح في مفسدات الصلاة ( قوله قولان ) قال بعضهم لا يجوز لأنه ليس فيه ما يدل على التعظيم مثل الصلاة ولهذا يجوز أن يدعى به لغير الأنبياء والملائكة عليهم السلام وهو مرحوم قطعا ، فيكون تحصيل الحاصل وقد استغنينا عن هذه بالصلاة فلا حاجة إليها وقال بعضهم يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان من أشوق العباد إلى مزيد رحمة الله تعالى ، ومعناها معنى الصلاة فلم يوجد ما يمنع من ذلك زيلعي . والصحيح الجواز كما ذكره الزيلعي في كتاب الصلاة وقال في البحر : وروي عن بعض المشايخ أنه قال ولا يقول : ارحم محمدا وأكثر المشايخ على أنه يقوله للتوارث ، وقال السرخسي : لا بأس به لأن الأثر ورد به من طريق أبي هريرة وابن عباس ولأن أحدا [ ص: 754 ] وإن جل قدره لا يستغني عن رحمة الله تعالى ا هـ ( قوله وجوزه السيوطي تبعا لا استقلالا ) أي مضموما إلى الصلاة والسلام لا وحده فيجوز اللهم صل على محمد وارحم محمدا ولا يجوز ارحم محمدا بدون الصلاة .

( قوله فليكن التوفيق ) أي يحمل القول بالجواز على التبعية والقول بعدمه على الابتداء ويخالفه ما في البحر حيث قال : ومحل الخلاف في الجواز وعدمه إنما هو فيما يقال مضموما إلى الصلاة والسلام كما أفاده شيخ الإسلام ابن حجر ، فلذا اتفقوا على أنه لا يقال ابتداء رحمه الله ا هـ قال ط : وينبغي أن لا يجوز غفر الله له وسامحه لما فيه من إيهام نقص ا هـ . أقول : وكذا عفا عنه وإن وقع في القرآن لأن الله تعالى له أن يخاطب عبده بما أراد كما لا يليق أن تخاطب الرعية الأمراء بما تخاطبهم به الملوك ، ولم أر من تعرض للترحم على الملائكة فليراجع




الخدمات العلمية