الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله تعالى : أو دما مسفوحا يدل على أن المحرم من الدم ما كان مسفوحا وأن ما يبقى في العروق من أجزاء الدم غير محرم ، وكذلك روي عن عائشة وغيرها في الدم الذي في المذبح أو في أعلى القدر أنه ليس بمحرم ؛ لأنه ليس بمسفوح . وهذا يدل على أن دم البق والبراغيث والذباب ليس بنجس ؛ إذ ليس بمسفوح .

فإن قيل : قوله تعالى : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه وإن كان إخبارا بأنه ليس المحرم في شريعة النبي صلى الله عليه وسلم من المأكولات غير المذكور في الآية ، فإنه قد نسخ به كثيرا من المحظورات على ألسنة الأنبياء المتقدمين ، فلا يكون سبيله سبيل بقاء الشيء على [ ص: 193 ] حكم الإباحة الأصلية بل يكون في حكم ما قد نص على إباحته شرعا ، فلا يجوز الاعتراض عليه بخبر الواحد ولا بالقياس .

والدليل على أنه قد نسخ بذلك كثيرا من المحظورات على لسان غيره من الأنبياء ، قوله تعالى : وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما وشحومهما مباحة لنا ، وكذلك كثير من الحيوانات ذوات الأظفار . قيل له : ما ذكرت لا يخرج ما عدا المذكور في الآية من أن يكون في حكم المباح على الأصل ؛ وذلك لأن ما حرم على أولئك من ذلك وأبيح لنا لم يصر شريعة لنبينا صلى الله عليه وسلم وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن حكم ذلك التحريم ، إنما كان موقتا إلى هذا الوقت وأن مضي الوقت أعاده إلى ما كان عليه من حكم الإباحة ، فلا فرق بينه في هذا الوجه وبين ما لم يحظر قط .

وأيضا فلو سلمنا لك ما ادعيت كان ما ذكرنا من قبول خبر الواحد واستعمال القياس فيما وصفنا سائغا ؛ لأن ذلك مخصوص بالاتفاق ، أعني قوله تعالى : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه لاتفاق الجميع من الفقهاء على تحريم أشياء غير مذكورة في الآية كالخمر ولحم القردة والنجاسات وغيرها ، فلما ثبت خصوصه بالاتفاق ساغ قبول خبر الواحد واستعمال القياس فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية