الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 252 ] ( ولو قال أنت علي مثل أمي أو كأمي يرجع إلى نيته ) لينكشف حكمه ( فإن قال أردت الكرامة فهو كما قال ) لأن التكريم بالتشبيه فاش في الكلام ( وإن قال أردت الظهار فهو ظهار ) لأنه تشبيه بجميعها ، وفيه تشبيه بالعضو لكنه ليس بصريح فيفتقر إلى النية ( وإن قال أردت الطلاق فهو طلاق بائن ) لأنه تشبيه بالأم في الحرمة فكأنه قال أنت علي حرام ونوى الطلاق ، وإن لم تكن له نية فليس بشيء عند أبي حنيفة وأبي يوسف لاحتمال الحمل على الكرامة . وقال محمد يكون ظهارا لأن التشبيه بعضو منها لما كان ظهارا فالتشبيه بجميعها أولى . وإن عنى به التحريم لا غير ; فعند أبي يوسف هو إيلاء ليكون الثابت به أدنى الحرمتين .

[ ص: 253 ] وعند محمد ظهار لأن كاف التشبيه تختص به .

التالي السابق


( وقوله ولو قال أنت علي مثل أمي ) هنا ألفاظ أنت أمي مثل أمي كأمي حرام كظهر أمي ; ففي أنت أمي لا يكون مظاهرا وينبغي أن [ ص: 253 ] يكون مكروها ، فقد صرحوا بأن قوله لزوجته يا أخية مكروه .

وفي حديث رواه أبو داود عن أبي تميمة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول لامرأته يا أخية فكره ذلك ونهى عنه } ونحن نعقل أن معنى النهي هو أنه قريب من لفظ تشبيه المحللة بالمحرمة الذي هو ظهار ، ولولا هذا الحديث لأمكن أن يقال هو ظهار لأن التشبيه في قوله أنت أمي أقوى منه مع ذكر الأداة ، ولفظ أخية في يا أخية استعارة بلا شك وهي مبنية على التشبيه ، لكن الحديث المذكور أفاد كونه ليس ظهارا حيث لم يبين فيه حكما سوى الكراهة والنهي عنه ، فعلم أنه لا بد في كونه ظهارا من التصريح بأداة التشبيه شرعا ، ومثله أن يقول لها يا بنتي أو يا أختي ونحوه ، وفي مثل أمي أو كأمي ينوي ، فإن نوى الطلاق وقع بائنا كقوله أنت علي حرام ، وإن نوى الكراهة والظهار فكما نوى كما في الكنايات . وأفاد أنه كناية في الظهار ، فعلم أن صريحه يكون التشبيه بعضو ، وإن لم يكن له نية فليس بشيء عندهما ، وهو ظهار عند محمد رحمه الله .

وجه قوله أن المعنى الشرعي لهذا اللفظ الظهار لوجود التشبيه بالبعض في ضمن الكل غير أنه عدل عنه فيما إذا كان له نية شيء يصح إرادته من اللفظ إلى ذلك المنوي تصحيحا لإرادته ، وجعل علي بمعنى عندي في الكرامة ، وذلك أن المفيد للكرامة بطريق الحقيقة لفظ أنت عندي مثل أمي أو كأمي ، فحين لم يصرفه عن مقتضاه نية عمل بموجبه في نفسه .

ولهما أن يمنعا كون الصراحة تثبت بالتشبيه بالجزء حال كونه في ضمن التشبيه بالكل بل إذا كان التشبيه به ابتداء ، ففيما إذا كان التشبيه بكلها يبقى مجملا في حق جهة التشبيه ، فما لم يتبين مراد مخصوص لا يحكم بشيء خصوصا والحمل على الظهار حمل على المعصية ، ولا يجوز إلزام المسلم المعصية من غير قصد إليها ولا لفظ صريح فيها ، وما أمكن صرف تصرفاته عنها وجب اعتبار ذلك في حقه ، وإن نوى به التحريم لا غير فالمصنف حكى فيه خلافا بينهما وكذا غيره ، فعند محمد ظهار لأنه بكاف التشبيه : أي أداته فإن الكلام في مثل أمي وكأمي جميعا واحد مختص بالظهار كما قدمنا أنه حقيقة وقد نوى ما لا ينافيه فإن الحرمة موجب الظهار فيثبت المنوي في ضمن المعنى الحقيقي في الكلام .

وعند أبي يوسف إيلاء بناء على منع كونه المعنى الوضعي عند التشبيه بالكل فيبقى الثابت به لا يتعدى به المنوي وتحريمها مطلقا بلا ظهار ولا طلاق هو الإيلاء [ ص: 254 ] ولأن الإيلاء أدنى الحرمتين من حيث السبب والحكم وأمور أخر ، أما السبب وهو الظهار نفسه فكبيرة محضة ، والإيلاء في نفسه من حيث هو يمين ليس معصية بل باعتبار أمر آخر يقترن به ، وأما الحكم فالكفارة فيه أغلظ حيث قدر الإطعام بستين مسكينا أو صيام ستين يوما ، والأمور الأخر هي أن حرمتها في الإيلاء لا تثبت في الحال فإنه وإن حلف أن لا يقربها فالشرع طلب منه أن يحنث ويطأها قبل التكفير ثم يكفر ، ولو طلقها ثلاثا فعادت إليه بعد زوج آخر عادت بلا إيلاء في حق وقوع الطلاق بمضي المدة بل في حق لزوم الكفارة إذا وطئ وكان الإيلاء مؤبدا ، وفي الظهار يثبت في الحال ثم يتعدى إلى الدواعي ثم لا يحل منها شيء آخر حتى يكفر أولا ، ولو طلقها ثلاثا والباقي بحاله تعود بالظهار ولا تحل ما لم يكفر ، وكذا لو ملكها بأن كانت أمة فاشتراها وانفسخ العقد لا تحل ما لم يكفر ، ومنهم من قال : الأصح أنه حينئذ ظهار عند الكل لأنه تحريم مؤكد بالتشبيه




الخدمات العلمية